لم يجوّز هذا هنا ، ولم يظهر من العلماء من جوّز الأوّل ومنع الثاني ، خصوصا مع أنّ أكثر الأدلّة المقامة على منع التقليد إنّما تدلّ عليه للدلالة على أنّ المعتبر في اصول الدين هو العلم والتقليد لا يفيده.
ولذا قد يقال في بيان الضابط الكلّي : إنّ المسألة المقلّد فيها هي المسألة المجتهد فيها ، على معنى أنّ كلّ مسألة يجوز فيها الاجتهاد وإعمال الأمارات الاجتهاديّة التعبّديّة أو الظنّية يجوز فيها التقليد وما لا فلا.
نعم ربّما يشكل الحال في الملازمة المذكورة بأنّ جهة النزاع في مسألة التقليد غير ما هو جهة النزاع في مسألة الظنّ ، ولذا قيل في الاولى بتعيّن التقليد وحرمة النظر ، ولم يعهد نحوه في الثانية قبالا للقطع.
وعلى تقدير الملازمة فقد يقال : بأنّ الحيثيّة معتبرة في كلّ من العنوانين ، فالمراد عدم كفاية الأمارة الظنّية ولا فتوى الظنّية في المسألة الاصوليّة ، على معنى عدم ثبوت الحكم الاصولي من حيث هو بهما ، وهذا لا ينافي ثبوت الأحكام الفرعيّة بهما المتفرّعة على مورديهما.
وقضيّة ذلك إلغاؤهما من حيث المسألة الاصوليّة والأخذ بهما من حيث المسألة الفرعيّة ، وذلك كما لو ورد في أخبار الآحاد ما يدلّ على كفر المفوّضة في أمر الخلق والرزق الملزوم لنجاستهم ، وأنّه على القول بعدم كفاية الظنّ في الاصول وإن كان لا يصلح مستندا في المسألة الاعتقاديّة إلاّ أنّه يؤخذ به في المسألة الفرعيّة وهي النجاسة المقتضية لوجوب التجنّب عنهم ، وكذا لو أفتى المفتي بكون الاعتقاد الفلاني كفرا خروجا عن حدّ الإسلام فإنّه لا يجوز الأخذ به تقليدا في المسألة الاصوليّة مع جواز الأخذ به فيما يتفرّع عليه من نجاسة صاحب هذا الاعتقاد ووجوب التجنّب عنه ، وكذا لو أفتى بأنّ الاعتقاد الفلاني لا يوجب كفرا فليس للمقلّد الأخذ به تقليدا.
نعم يجوز له الأخذ بالأحكام الفرعيّة المتفرّعة عليه من طهارة وعدم وجوب اجتناب ونحو ذلك.
والسرّ في ذلك : أنّ الظنّ في المسألة الاصوليّة يستلزم الظنّ في المسألة الفرعيّة ، فيندرج بذلك في عموم حجّيّة الظنّ في الأحكام الفرعيّة مطلقا أو إذا حصل الاضطرار إلى العمل به من جهة بقاء التكليف وانسداد باب العلم ، نظير الظنّ الحاصل من قول اللغوي في