وكيف كان فعن الأشاعرة الاعتراض على الدليل تارة : بمنع حكم العقل بالحسن والقبح.
واخرى : بدلالة العقل والنقل على خلافه. أمّا النقل فقوله تعالى : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ). وأمّا العقل : فلأنّه إن كان وجوبه لا لفائدة فهو عبث غير جائز عقلا ، وإن كان لفائدة فإمّا تعود إلى المشكور فهو متعال عن ذلك ، وإمّا إلى الشاكر فهو منتف أمّا في الدنيا فلأنّه مشقّة بلا حظّ ، وأمّا في الآخرة فلا استقلال للعقل فيها ، وأيضا هو تصرّف في مال الغير بدون إذنه فلا يجوز.
وثالثة : بمنع توقّف الشكر وزوال الخوف على المعرفة المستفادة من النظر ، بل يكفي فيهما المعرفة السابقة على النظر الّتي هي شرط النظر ، سلّمنا عدم كفايتها ولكن لا نسلّم توقّفها على النظر ، لجواز حصولها بالتعليم كما هو رأي الملاحدة أو بالإلهام على ما يراه البراهمة أو بتصفية الباطن بالمجاهدات كما يراه الصوفيّة.
ورابعة : بمنع وجوب ما يتوقّف عليه الواجب.
والجواب عن الأوّل : مضافا إلى ما مرّ في محلّه مستوفى أنّه إنكار لبداهة الوجدان.
وعن الثاني : أنّه مغالطة في مقابلة البرهان ، لمنع دلالة النقل والعقل على النفي.
أمّا النقل : فلما بيّنّاه في محلّه عند الكلام على حجج الأشاعرة في إنكار العقل.
وأمّا العقل : فلأنّ المحافظة على النعم عن الزوال في الدنيا وعلى النفس عن العقوبة في الآخرة كافية في حصول الفائدة وعودها إلى الشاكر.
ودعوى عدم استقلال العقل في الآخرة.
يدفعها : أنّه يكفي في حصول الخوف وتجويز العقوبة احتمالها وهو قائم بلا ريب ، مع إمكان إثبات استقلال العقل بالمعاد باعتبار أنّه لولاه لضاع عمل العاملين وضاعت حقوق المظلومين مع أنّه أمر بإغاثتهم على الظالمين ، ولساوى أشقى الأشقياء أفضل الأنبياء ، إذ ليس في الدنيا ما يصلح للجزاء مع أنّ إقبالها على الفجّار بمقدار إعراضها عن الأخيار ، وكونه جسمانيّا باعتبار كون الجسم مباشرا للطاعات والآثام ، وكون الشكر تصرّفا في مال الغير بدون إذنه ممنوع في كلّ من صغراه وكلّية كبراه.
وعن الثالث : منع كفاية المعرفة السابقة في حصول الشكر الرافع للخوف إن اريد بها معرفة أنّ له منعما ، لأنّها معرفة إجماليّة والشكر المزيل للخوف لابدّ وأن يقع على حسب