إذ لم يقل أحد إنّها أوّل ما نزلت عليه.
وفيهما (١) أنّه ليس طلبا لتحصيل للعلم بل إثبات للعلم وإيجاد له من قبيل قول المعلّم : « اعلم كذا ».
مدفوعة بأنّ الخطاب في الآية الاولى وإن كان في ظاهره متوجّها إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ أنّ الظاهر كونه من باب « إيّاك أعني واسمعي يا جاره » فهو أمر لغيره بتحصيل العلم ولا يكون إلاّ بالنظر.
ولو سلّم اختصاص الخطاب بنفسه الشريفة فيستفاد منه وجوب تحصيل العلم أيضا على من لم يسبقه حصوله ، إمّا لأنّ وجوب التثبّت على العلم على من سبقه يستلزم ـ ولو باللزوم العرفي ـ وجوب تحصيله على من لم يسبقه ، أو لأنّ التثبّت على العلم عبارة عن إبقاء العلم والاستمرار عليه ولا يتأتّى ذلك إلاّ باستحضار الدليل الموجب له ، ومرجع الأمر بالتثبّت إلى إيجاب إعمال النظر في ذلك الدليل في كلّ آن يحتاج العلم في بقائه إليه ، وهذا يرجع إلى ابتداء النظر لتحصيل العلم في ذلك الآن لأنّه لولاه لكان الشكّ والتزلزل ، فلولا النظر المؤدّي إلى العلم واجبا لم يكن التثبّت عليه واجبا.
وقول المعلّم ونظائره : « اعلم » إيجاد للعلم التصوّري ، والمقصود إثبات العلم التصديقي الّذي لا يتأتّى غالبا بمجرّد قول المعلّم بل يحتاج إلى ذكر دليل ولذا صحّ للمتعلّم مطالبة الدليل ، وكان الغالب في المعلّمين التنبيه على دليل ، ولو صدر قول : « اعلم » من الله سبحانه أو أحد من المعصومين أو العلماء الموثوق بهم في المعارف وكفى بمجرّده في حصول العلم كان ذلك علما حاصلا من الدليل الحاضر في الذهن المؤلّف من المقدّمتين الملتفت إليهما إجمالا.
ويدلّ على اعتبار العلم أيضا من الكتاب قوله تعالى : ( إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) وقوله : ( كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) وقوله : ( وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) وقوله تعالى : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) أي ليعرفون ، كما نصّ عليه المفسّرون ونطقت به الروايات الّتي منها المرويّ عن العلل عن الصادق عليهالسلام قال : خرج الحسين بن عليّ عليهماالسلام على أصحابه ، فقال : « أيّها الناس إنّ الله ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه » فقال له رجل : يا بن رسول الله بأبي أنت
__________________
(١) عطف على قوله : « والمناقشة في الاولى » أي : والمناقشة فيهما.