ويشكل التعلّق بهذه الآيات لإثبات المنع من التقليد بالمعنى المتنازع وهو تقليد أهل الحقّ المستتبع للاعتقاد الظنّي ، وتقليد الكفّار ليس لأهل الحقّ ولم يعلم كونه مفيدا للظنّ لهم مع ذلك ، مع أنّ الظاهر في توجّه الذمّ إليهم في الآيات كونهم كفّارا أخذوا أديانهم بطريق التقليد لأسلافهم ، فالذمّ ليس على الطريق بل على ذيه وهو الكفر ، ومع التنزّل فهو على المجموع منه ومن مؤدّاه وهو الكفر على اختلاف أصنافه ، فالعلّة مركّبة ومن حكم العلّة المركّبة انتفاء المعلول بانتفاء أحد أجزائها ، فلم يدلّ الآيات على كون التقليد لأهل الحقّ المفيد للظنّ أيضا مذموما.
إلاّ أن يقال : إنّه ينساق من مجموعها في متفاهم العرف عدم كون التقليد بعنوان أنّه تقليد في نظر الشارع طريقا يعوّل عليه في المعارف وإن أفاد الظنّ وكان مؤدّاه حقّا ، وإذا انضمّ إلى ذلك آيات الذمّ على اتّباع الظنّ في اصول الدين كما هو ظاهر سياقاتها ثبت أنّ المعارف لا يطلب فيها إلاّ العلم ، ويتأكّد ذلك بما عرفت من الآيات المصرّحة بالعلم وبالأخبار الدالّة عليه عموما وخصوصا.
فتحقيق المقام : أنّ الكلام في مسألة التقليد إن رجع إلى الأخذ بقول الغير المستتبع للعلم بمعنى الاعتقاد الجازم المطابق للواقع أو إلى التقليد بالمعنى المصطلح المنطقي فالحقّ كفايته ، لما عرفت من أنّ المستفاد من مجموع الأدلّة هو اعتبار العلم بمعنى الجزم المطابق وكفايته في المعارف مطلقا.
وأمّا اعتبار بلوغه مرتبة اليقين المصطلح أو حصوله بطريق النظر والاستدلال فلم يدلّ عليه دليل ولم يقم عليه برهان ، إلاّ حيث توقّف العلم أو المعرفة في حصولهما عليه فيجب مقدّمة وقد عرفت أنّه المستفاد من العقل المستقلّ.
فما عرفت من العلاّمة وغيره ممّن وافقه من اعتبار النظر والاستدلال أو كون المعتبر العلم الحاصل بطريق خاصّ فليس على ما ينبغي ، بل الأقوى كفاية الجزم المطابق الحاصل بطريق التقليد وفاقا لجماعة منهم بعض مشايخنا قائلا ـ بعد التصريح بما سمعت ـ : « مع أنّ الإنصاف أنّ النظر والاستدلال بالبراهين العقليّة للشخص المتفطّن لوجوب النظر في الاصول لا يفيد بنفسه الجزم ، لكثرة الشبه الحادثة في النفس والمدوّنة في الكتب ، حتّى أنّهم ذكروا شبها يصعب الجواب عنها للمحقّقين الصارفين لأعمارهم في فنّ الكلام فكيف حال المشتغل به مقدارا من الزمان لأجل تصحيح عقائده ليشتغل بعده بامور معاشه