الرابع : قضاء القوّة العاقلة بتقديم الفاضل على المفضول عند الاختلاف كما يكشف عنه السيرة المستمرّة ، وبناء الناس في جميع الأعصار والأمصار في كلّ صنعة وحرفة وكلّ فنّ وعلم على الرجوع إلى الفاضل عند الاختلاف بينه وبين المفضول من دون رجوع إلى المفضول ما دام الرجوع إلى الفاضل ممكنا ، كما يرشد إليه تقديم قول أكمل الأطبّاء عند الاختلاف بينهم في العلاج ، وتقديم قول أكمل الصيارفة عند الاختلاف بينهم في الجوهر.
ويمكن المناقشة فيه : بأنّ بناء الناس إنّما يكشف عن حكم القوّة العاقلة المثمر في ثبوت لو ثبت (١) على وجه الالتزام لا من باب الاحتياط الّذي هو حسن على كلّ حال ، وفي خصوص التقليد وكلّ من المقدّمتين محلّ منع ، بل الثابت من بنائهم قد يكون خلافه ، بملاحظة أنّهم لاعتقادهم بأنّ حكم الله واحد لا يراعون الأعلم ولا يبالون تقليد غير الأعلم كما لا يخفى على المتأمّل.
الخامس : أنّ الظنّ الحاصل من قول الأعلم أقوى من الظنّ الحاصل من قول غيره فيجب العمل به.
أمّا المقدّمة الاولى : فلأنّ زيادة بصيرته على مدارك الأحكام ومعارضاتها وسائر مباينها
__________________
(١) والعبارة لا تخلو عن غموض ولعلّه ناش من وقوع سقط فيها ويوضحه ما أورده ١ في رسالته المفردة في ولاية الأولياء ( مخطوط ) ما هذا لفظه :
« ويزيّفه : أنّه لا يتمّ إلاّ على تقدير ثبوت مقدّمتين :
إحداهما : كون بناء الناس الكاشف عن حكم العاقلة في الرجوع إلى الفاضل على وجه الالتزام ، ولقائل أن يقول : بأنّ بناءهم في ذلك إنّما هو على وجه الرجحان ولا كلام فيه.
واخراهما : ثبوت بنائهم على الرجوع إلى الفاضل على وجه الالتزام في خصوص التقليد ، ولمانع أن يمنع ذلك إمّا بدعوى أنّ العقلاء من المقلّدين لاعتقادهم بأنّ حكم الله واحد لا يراعون الأعلم ولا يبالون الرجوع إلى غير الاعلم.
أو بدعوى إنّهم متحيّرون في مسألة تقليد الأعلم ويلتزمون فيها اتّباع العلماء المجتهدين فصاروا فريقين ، فريق يراعون الأعلميّة تقليدا لمن يوجب تقليد الأعلم وفريق لا يراعونها تقليدا لمن يجوّز تقليد غير الأعلم وكثير ممّن لا يتّبع رأي مجتهد في ذلك يرجعون إلى الأعلم أيضا احتياطا لا اعتقادا وهذا كلّه يكشف عن عدم حكم للقوّة العاقلة في هذا المقام.
والسرّ فيه : أنّ اعتبار الأعلميّة في المقلّد ـ بالفتح ـ سواء كان على وجه الشرطيّة أو على وجه المانعيّة أمر تعبّدي توقيفي منوط ثبوته بالتوظيف ولا مدخليّة للعقل فيه ، فاتّضح بذلك كلّه أنّه لا قضاء للقوّة العاقلة بتقديم الفاضل على وجه اللزوم بحيث يكون الرجوع إلى المفضول قبيحا عند العقل.
[ رسالة في ولاية الأولياء ـ ص ٣٥ ـ مخطوط ].