مع كونه أقوى ملكة في الاستنباط أشدّ منعا له من الخطأ فيكون أقوى ظنّا.
وأمّا المقدّمة الثانية : فلوجوب متابعة أقوى الظنّين عقلا وقد تمسّك به جماعة.
ومن الأعلام من اعترض عليه في طول كلامه بما محصّله : أنّ التقليد إن كان من باب الظنّ بحكم الله الواقعي الّذي يحصّله قول مجتهده فالأمر يدور مدار الظنّ من قول أيّ مجتهد حصل ، فقد لا يحصل من قول أعلم بلده بملاحظة احتمال موافقة الأدون لقول مجتهد بلد آخر يكون أعلم من أعلم بلده أو لأحد المجتهدين الأموات يكون أعلم من ذلك بمراتب شتّى ، بل قد يحصل الظنّ من قول الأدون بملاحظة موافقته لما ذكر على أحد الوجهين ، ودعوى حصوله من قول المجتهد الحيّ الّذي هو أدون بمراتب شتّى من المجتهد الميّت دون ذلك الميّت مجازفة من القول ، وإن كان من باب التعبّد فلا معنى لملاحظة الظنّ والأقوائيّة والأقربيّة معه ، ومرجع الترديد إلى منع الصغرى على تقدير اعتبار التقليد من باب الظنّ ومنع الكبرى على التقدير الاخرى.
ويمكن دفعه باختيار الشقّ الثاني ، ومنع منافاة مراعاة الظنّ وأقوائيّته وأقربيّته للترجيح في صورة الاختلاف لجهة التعبّد ، كما لا ينافيها للترجيح في الأخبار على القول بالعمل بها تعبّدا ، فإنّ المجتهدين المتفاضلين في صورة الاختلاف بمنزلة الأمارتين المتراجحتين في صورة التعارض اللّتين دلّ الدليل من النصّ والإجماع على وجوب تقديم الأقوى والأقرب منهما إلى الواقع على الآخر من غير منافاة له لجهة التعبّد ، باعتبار أنّ الأقوائيّة والأقربيّة لا تلاحظ إحرازا للمقتضي لجواز العمل بل رفعا لمانع التعارض ، ففيما نحن فيه أيضا يلاحظ الظنّ والأقوائيّة رفعا لمانع الاختلاف لا إحرازا لمقتضى العمل ، لقضاء العقل المستقلّ بعد تعذّر العلم بالأحكام الواقعيّة تفصيلا وإجمالا أو سقوط اعتبار العلم بها إجمالا بوجوب الأخذ بما هو أقرب إلى الواقع ، وهو بالنسبة إلى المكلّف البالغ رتبة الاجتهاد ظنّه الاجتهادي لغلبة مصادفته الواقع ، وبالنسبة إلى من لم يبلغ رتبته فتوى المجتهد لغلبة مصادفتها الواقع ، فالأقربيّة إلى الواقع علّة للجعل لا أنّه مناط للعمل ، فلذا لا يعتبر الظنّ في العمل بأصل الفتوى ، وإذا كان علّة الجعل الأقربيّة إلى الواقع فالعقل الحاكم بلزوم الأخذ بالأقرب كما يلزم المقلّد بمتابعة المجتهد ـ لكون فتواه نوعا أقرب إلى الواقع ـ فكذلك يلزمه بمتابعة شخص مجتهد يكون فتواه أقرب إلى الواقع من فتوى مجتهد آخر عند الاختلاف بينهما ، فإنّ الأعلم وغيره وإن كانا متشاركين في أصل غلبة مصادفة فتوى