ولو سلّم العموم فدلالة الرواية على اشتراط أعلميّة فيما هو من موضوع المسألة محلّ منع ، إذ الترجيح بالأفقهيّة على ما أمر به الإمام عليهالسلام ليس باعتبار لزوم تقديم فتوى الأفقه من حيث كونه أفقه على فتوى غير الأفقه من حيث إنّه غير أفقه ، بل باعتبار لزوم تقديم رواية الأفقه من حيث إنّه أفقه على رواية غير الأفقه من حيث إنّه غير أفقه ، وذلك لأنّ قول الراوي : « كلاهما اختلفا في حديثكم » يدلّ على أنّه أشكل الأمر عليه ، وإنّ تحيّره إنّما كان من جهة اختلاف الحديثين وتعارض الخبرين ، ولذا كانت المرجّحات المذكورة في الرواية كلّها من مرجّحات الأخبار المتعارضة المعمولة في علاج تعارض الأخبار ، وأمره عليهالسلام للراوي بالترجيح والرجوع إلى تلك المرجّحات يدلّ على أنّه من أهل النظر والاجتهاد وإنّ له أهليّة الترجيح واستفادة المطالب من الأخبار المتعارضة بعد إعمال النظر في علاج تعارضها ، وعليه فلا يتناول لموضوع المسألة وهو رجوع المقلّد إلى المجتهد وأخذه بفتواه أصلا.
أمّا أوّلا : فلأنّ المراد بالمقلّد من ليس له أهليّة الاجتهاد أصلا ، فلو صادف مجتهدين متفاضلين ليس عليه مطالبة دليلهما ، ولو عثر على دليلهما ليس عليه النظر في مفاديهما ، ولو فهم منهما شيئا ليس له التعويل على فهمه ، ولو ترجّح أحدهما على الآخر لمرجّح معه في نظره ليس له الاعتماد على ترجيحه.
وأمّا ثانيا : فلأنّه لا يلزم أن يكون اختلاف نظري المجتهدين المتفاضلين عن خبرين متعارضين ، بل قد يكون عن مدرك آخر ، وفيما لو كان مدرك اجتهاديهما من الأخبار قد يكون من اختلاف نظرهما في طريق الجمع أو من تعادل الخبرين واختيار كلّ واحدا منهما.
وعلى تقدير كونه من الترجيح بينهما فمدار الترجيح على تحصيل الظنّ الاجتهادي والوثوق بصدور ما يعمل به من المتعارضين ، فقد يحصل لأحدهما الوثوق بصدور أحدهما لمرجّح معه في نظره وللآخر الوثوق بصدور الآخر لمرجّح آخر معه في نظره ، وكلّ مكلّف بظنّه الاجتهادي والبناء على ترجيحه الظنّي ، وعلى جميع التقادير فالمقلّد العامي لا يكلّف بملاحظة مدركيهما ولا إعمال النظر في الجمع والترجيح ، ولا أنّه من وظيفته ذلك أصلا.
الثامن : أنّه لو جاز تقليد المفضول مع وجود الأفضل لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، والتالي باطل فالمقدّم مثله ، والملازمة ظاهرة.
ويمكن دفع الملازمة ، إذ المعتبر في الرجحان والمرجوحيّة رجحان فتوى المجتهد ومرجوحيّتها ـ لأنّها مناط عمل المقلّد ـ لا رجحان شخص المجتهد ومرجوحيّته من حيث