الثاني : أن يقصد به صدور الحكم من واحد ، ويكون المقصود من حضور الباقين إعانة الحاكم في مقدّمات الحكم لئلاّ يخطئ.
الثالث : أن يقصد من بعضهم صدور الحكم ومن الباقين إمضاءه.
والرابع : أن يقصد استعلام حكم المسألة بما يصدرونه من الفتوى لرضا المتنازعين وتواطئهما على الأخذ به من باب الأخذ بالفتوى.
والرواية بظاهرها لا تقبل إلاّ الحمل على الصورة الأخيرة.
أمّا الصورة الاولى : فلأنّها في نفسها في غاية البعد والغرابة ، إذ الحكم بمعنى فصل الخصومة يحصل بحكم واحد ، واعتبار انضمام الأحكام بعضها إلى بعض مع أنّه غير معهود غير مفيد.
وأمّا الثانية والثالثة : فلأنّه يأباهما ظاهر قوله : « فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ».
لا يقال : إنّ الفتوى أيضا يكفي فيها واحد ، فاعتبار الانضمام فيها أيضا ممّا لا معنى له ، لأنّ لاتّفاق آراء الحكمين مدخليّة تامّة في رفع الاشتباه عن الجانبين ليست هذه المدخليّة في فتوى واحد.
هذا ولكنّ الإنصاف أنّ إنهاض دلالة الرواية موضع نظر ، لأنّ صرفها عن الحكم بالمعنى الأخصّ إلى ما يعمّ الفتوى محلّ إشكال بملاحظة صدر الرواية ، وهو قوله : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة ، أيحلّ ذلك؟
فقال : من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنّما يأخذ سحتا وإن كان حقّه ثابت ، لأنّه أخذ بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به.
قلت : كيف يصنعان؟ قال : انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فارضوا به حاكما ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما بحكم الله استخفّ وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله.
قال : فإن كان كلّ واحد اختار رجلا » إلى آخر ما نقلناه.
وهذا كما ترى كالصريح بل صريح في الحكم بالمعنى الأخصّ ، فلا قاضي بتعميمه بالقياس إلى الفتوى.