الثاني : أصالة التخيير فيما دار الأمر بينه وبين التعيين ، تمسّكا بأصالة البراءة النافي للضيق الّذي يتضمّنه التعيين.
وفيه : منع كون التخيير في مثل ما نحن فيه أصلا ، بل الأصل هو التعيين.
وتوضيحه : أنّ أصالة التخيير إنّما تسلّم في فردي الكلّي المأمور به إذا احتمل تقييد الماهيّة في مدلوله بما يوجب تعيين أحدهما ، كما لو ثبت وجوب عتق رقبة واحتمل تقييدها بالمؤمنة فيتمسّك بأصالة عدم التقييد وأصالة البراءة النافية لاحتمال الشرطيّة ، وينفرد ذلك عن الأوّل (١) فيما ثبت وجوبه بخطاب غير لفظي أو خطاب لفظي مجمل.
ويسلّم أيضا في الواجبين المضيّقين المتزاحمين ، فإنّ العقل في موضع المزاحمة يحكم فيهما بالتخيير حذرا عن التكليف بغير المقدور ، مع كون كلّ بانفراده مع قطع النظر عن الآخر مقدورا مع انتفاء الأهمّيّة ، بشرط عدم احتمال اشتمال أحدهما على مصلحة متأكّدة موجبة لكونه أهمّ في نظر الشارع ، إذ مع احتماله لا يحكم العقل بالتخيير فيرجع إلى أصل آخر ، ولا يجري إلاّ أصالة الاشتغال المقتضية للتعيين ، إذ مع احتمال وجود نحو المصلحة المذكورة لا محصّل ليقين البراءة إلاّ الإتيان بمحلّ هذا الاحتمال ، ولا مجرى لأصالة البراءة في نحوه كما هو واضح.
وتوهّم كون أصالة عدم سقوط التكليف بالنسبة إليهما معا ممّا ينفي احتمال التعيين المستلزم لسقوط التكليف عن أحدهما.
يندفع : بأنّ التكليف المحكوم بعدم سقوطه بالأصل إن اريد به الوجوب على وجه التعيين فلا شكّ في سقوطه بسبب المزاحمة ، وإن اريد به الوجوب على وجه التخيير فلا شكّ في عدم ثبوته قبل المزاحمة.
وبالجملة الحالة السابقة المعتبرة في الأصل غير باقية في تقدير وغير ثابتة في آخر.
ويسلّم أيضا في طريقين متعارضين شملهما دليل الحجّية تعبّدا عند فقد ما ثبت كونه مرجّحا ، فإنّ العقل فيه باعتبار عدم إمكان الجمع والطرح ربّما يحكم بالتخيير ، إذ مع اشتماله عليه لا يحكم العقل بالتخيير ، فيؤخذ به حينئذ عملا بأصل الاشتغال ، ولا معنى لأصل البراءة فيه أيضا.
وأمّا الشكّ في التعيين والتخيير فيما هو من قبيل التخييرات الشرعيّة كخصال الكفّارة
__________________
(١) أي وينفرد أصالة البراءة عن أصالة عدم التقييد فيما يثبت وجوبه بخطاب غير لفظى الخ.