وجوب تقليد الأعلم أعني أصالة الاشتغال ، ضرورة أنّ الأخذ بفتواه يوجب يقين الخروج من عهدة الحكم الظاهري وهو وجوب الرجوع إلى المجتهد في امتثال أحكام الله المعلومة بالإجمال ، ومرجعه إلى كونه مبرئ يقينا للذمّة بخلاف الأخذ بفتوى موهوم الأعلميّة.
لا يقال : إنّ هذا إنّما يتمّ فيما لو دار الأمر بين التعيين والتخيير وهو هنا محلّ منع ، بل الواجب على التعيين ـ وهو تقليد الأعلم الواقعي ـ مشتبه ومردّد بين مظنون الأعلميّة وموهومها ولا مجرى معه لقاعدة الاشتغال.
لأنّا نقول أوّلا : قد ذكرنا سابقا أنّ الأمارتين المتعارضتين إذا اشتمل إحداهما على ما يحتمل كونه مرجّحا في نظر الشارع فلا يحكم العقل فيه بالتخيير بل بالتعيين من جهة قاعدة الاشتغال.
وثانيا : أنّ الأمر هاهنا أيضا دائر بين التعيين والتخيير ، بتقريب : أنّه لا يدرى أنّ المظنون هل هو كالمشكوك؟ بناء على أنّ الظنّ المفروض فيه كالشكّ في عدم الاعتبار عند الشارع فيلحقه حكمه من التخيير ، أو أنّه كالمعلوم بناء على أنّ الظنّ هنا كالعلم فيلحقه حكمه من التعيين؟ وهذا هو معنى دوران الأمر فيه بين التعيين والتخيير.
المرحلة الثانية : فيما شكّ في أصل الأعلميّة من دون علم إجمالي ، وحيث إنّها أمر وجودي يشكّ في حدوثه والأصل ينفيه فالمتّجه هاهنا جواز تقليد كلّ من المجتهدين بعد إعمال أصالة عدم الأعلميّة ، لأنّه إذا نفى احتمال الأعلميّة عن كلّ من المجتهدين يترتّب عليه حكم التساوي وهو التخيير ، ولا يزاحمه أصالة الاشتغال هاهنا لورود الأصل الموضوعي عليها ، ولا يعارض بأصالة عدم التساوي إذ ليس الشكّ في أنّ أحدهما بعد ما علم نقصه بالقياس إلى الآخر هل بلغ صاحبه في الكمال أو لا؟ ليحكم بعدمه بأصالة عدم التساوي ، بل الكلام في حصول مزيّة لأحد المجتهدين بعد حصول أصل الاجتهاد الّذي هو جهة مشتركة بينهما.
ولا ريب أنّ الأصل في نحوه يقتضي العدم ، لا بمعنى أنّه يثبت به التساوي ليخدشه بطلان الاصول المثبتة ، بل بمعنى أنّه يترتّب عليه آثار عدم الأعلميّة وأحكامه الّتي منها التخيير ، هذا.
ولكن قد يستشكل الأمر بملاحظة أنّ قضيّة ما دلّ على وجوب تقليد الأعلم وجوب الأخذ بما هو أقرب إلى الواقع والأصل لا يفيد الأقربيّة الواقعيّة ، ونظيره أنّهم لا يجيزون