واخرى بالفقيه حالا وهو العالم بالأحكام عن أدلّتها أو ملكة وهو صاحب ملكة العلم بها.
قال السيّد قدسسره في المفاتيح : « هل المراد بالأعلم الأكثر حفظا في المسائل ، أو الأشدّ قوّة لاستخراجها ، أو الأكثر ترجيحا لها ، فيه إشكال ولم أجد مصرّحا بشيء ممّا ذكر.
والتحقيق يقتضي الرجوع هنا إلى العرف فكلّ من يطلق عليه عرفا أنّه أعلم يجب الرجوع إليه إن قلنا بوجوب تقليد الأعلم » انتهى ، وفيه ما فيه.
وتحقيق المقام : أنّ المعنيين الأخيرين ممّا لا ينبغي بل لا يصحّ تنزيل موضوع المسألة على أحدهما ، لأنّ مناط وجوب تقليده ـ على ما بيّنّاه ـ إنّما هو الأقربيّة إلى الواقع ، على معنى كون فتوى الأعلم نوعا أقرب إلى الواقع ، فلابدّ وأن يحمل الأعلم على ما يلازم الأقربيّة وليس إلاّ المعنى الأوّل ، إذ لا مدخليّة لكثرة الاستنباطات وقلّتها ولا لكثرة المحفوظات وقلّتها في الأقربيّة وعدمها ، بأن يكون فتوى كلّ من كثر استنباطه أو محفوظاته أقرب إلى الواقع وفتوى كلّ من قلّ استنباطه أو محفوظاته أبعد عن الواقع ، بل قد ينعكس الأمر.
نعم كثرة الاستنباط قد تصير سببا لازدياد الملكة شيئا فشيئا ، غير أنّها قد تصير أيضا سببا لانتقاصه من حيث إنّها لا تفارق غالبا مسارعة النظر وقلّة التأمّل وهما ممّا يفضي إلى أن يتناقص الملكة شيئا فشيئا إلى حيث ترتفع بالكلّية.
وإنّما الملازم للأقربيّة هو أقوائيّة الملكة الّتي من الكيفيّات النفسانيّة القابلة للتفاضل بالشدّة والضعف ، وعلامتها صحّة وصف صاحبها في الفارسية بـ « استادتر » في صنعة الاستنباط واستخراج الأحكام من مداركها وفهم الأدلّة بأنواع الدلالات ، كما يقال في وصف البنّاء أو النجّار أو الصائغ أو غيره من أرباب الصناعات بالأعلميّة إنّ « فلان كس استادتر است » يريدون به كونه أقوى ملكة في صنعة البناء والنجارة والصناعة ، هذا مضافا إلى أنّه الّذي يساعد عليه أو يناسبه بناء صيغة التفضيل باعتبار وضعها المادّي والهيئي ، فإنّها بالوضع تفيد التفضيل وهو زيادة اتّصاف الذات بالمبدأ حسبما يراد منه عند الإطلاق فيما كان قابلا للتفاضل ، وهو تفاوت مّا بين فردي المبدأ الحاصل في المفضّل والمفضّل عليه بالشدّة والضعف أو الكثرة والقلّة ، بأن يكون حصوله في أحدهما أشدّ أو أكثر منه في الآخر.
ولا ريب أنّ هذا الضابط يأبى كون المراد به أكثر استنباطا ، لعدم كون الاستنباط ممّا يراد من العلم الّذي هو مبدأ الأعلم عند الإطلاق ، بخلاف ملكة الاستنباط أو ملكة العلم بالأحكام عن أدلّتها ، فإنّ إطلاق « العلم » عليها و « العالم » على صاحبها في العرف عموما