على الإطلاق ، بل ما دام باقيا على اجتهاده فإذا رجع ارتفع كما يظهر من تنظير ذلك بالنسخ.
وأمّا الأفعال المتعلّقة بالموضوع المتفرّعة على الاجتهاد السابق فهي في الحقيقة إمّا من مشخّصات عنوان الموضوع كالملاقاة أو من المتفرّعات على حكم الموضوع كالتذكية والعقد فلا أثر لها في بقاء حكم الموضوع » إلى أن قال : « وممّا قرّرنا يظهر حكم التقليد بالمقايسة ، فإنّ المقلّد إذا رجع مجتهده عن الفتوى أو عدل إلى من يخالفه حيث يسوغ له العدول أو بلغ درجة الاجتهاد وأدّى نظره إلى الخلاف ، فإنّه يتصوّر في حقّه الصور المذكورة ويجري فيه الكلام المذكور » انتهى ملخّصا (١).
ومحصّله : الفرق في موضوع الحكم الشرعي بين الامور المخترعة الشرعيّة الّتي أخذ الشارع فيها أجزاء وشرائط ولا تعرف إلاّ ببيانه الّذي لا بدّ لاستعلامه من مراجعة الأدلّة الظنّية والأمارات الشرعيّة المتداولة بين المجتهدين ، فلا بدّ لإحراز المشروع منها في الخارج وفي مقام العمل من تطبيق الواقعة المأتيّ بها على فتوى المجتهد المتكفّلة لبيان أجزائها وشرائطه المستنبطة من الأدلّة الاجتهاديّة ـ وهذا هو المراد من كون الواقعة ممّا يتعيّن في وقوعها شرعا أخذها بمقتضى الفتوى ـ وبين الامور الواقعيّة الّتي لا مدخل للشارع ولا لاجتهاد المجتهد فيها باعتبار كونها من الموضوعات العرفيّة أو اللغويّة الّتي يرجع لمعرفتها إلى العرف واللغة ، وقضيّة ذلك أن لا يرجع لإحراز الواقعة منها في الخارج إلى فتوى المجتهد لعدم كونها متكفلّة لبيان الموضوع ، وهذا هو المراد من كون الواقعة ممّا لا يتعيّن في وقوعها أخذها بمقتضى الفتوى.
وبهذا البيان ظهر أنّ تغيّر الاجتهاد في مثل ذلك لا يوجب تغيّر الموضوع ، بل إنّما يوجب تغيّر حكم الموضوع من الحلّ أو الحرمة أو الطهارة أو النجاسة أو غيرها ، والمفروض أنّه المثبت بالاجتهاد الأوّل على الإطلاق بل ما دام الاجتهاد باقيا ، ولذا ينتقض مؤدّى الاجتهاد الأوّل من غير فرق فيه بين الوقائع السابقة والوقائع اللاحقة ، بخلاف ما كان من قبيل الامور المخترعة الّتي يرجع لإحرازها بأجزائها وشروطها من العبادات وسائر العقود والإيقاعات إلى الفتوى المتكفّلة لبيان الأجزاء والشرائط ، فإنّ تغيّر الاجتهاد في مثل ذلك يوجب تغيّر الموضوع ، وهو لا يوجب انتقاض الأحكام والآثار المترتّبة على الموضوع الأوّل المنطبق في وقوعه الخارجي على الفتوى الاولى بدلالة الوجوه الأربعة المتقدّمة.
__________________
(١) الفصول الغرويّة : ٤٠٩.