ذمّة الميّت وتفريغه عمّا اشتغلت به من فوائته ، وهذا يتأتّى بالاستنابة عنه كما يتأتّى بالنيابة عنه ، كما أنّه يتأتّى بتبرّع متبرّع ، فأيّ منهم أقدم على النيابة فيكفيه الصحّة الظاهريّة بالنسبة إلى حاله ، وعليه فيجوز للوليّ استنابة من يخالفه في الرأي والمذهب ولو علم المخالفة الشخصيّة.
ومنها : مسألة الاقتداء ، نظرا إلى اشتراط صحّة صلاة المأموم بصحّة صلاة الإمام ، فهل يجوز له الاقتداء بمن خالفه في المذهب ولو مع العلم بالمخالفة الشخصيّة ـ كما لو كان من رأي الإمام اجتهادا أو تقليدا عدم وجوب السورة في الصلاة ، أو صحّتها في وبر الأرانب والثعالب ، أو بالطهارة الحاصلة بما يراه طاهرا كالقليل الملاقي للنجاسة أو طهورا كالمضاف مثلا ، والمأموم يخالفه في جميع ذلك ـ أو لا يجوز؟ وجهان من أنّ شرط صلاة المأموم هل هو الصحّة الظاهريّة لصلاة الإمام أو الصحّة الواقعيّة؟ والأظهر الثاني.
ولا ينتقض ذلك بصلاة الصفوف المتقدّمة من المأمومين على ذلك ، نظرا إلى اشتراط صحّة صلاة الصفّ المتأخّر بصحّة صلاة الصفوف المتقدّمة أيضا ، مع أنّه يكفي هنا الصحّة الظاهريّة بحسب حال المأمومين ، ولذا لا إشكال عندهم في صحّة اقتداء المتأخّر ولو كان فيمن تقدّم عليه من يخالفه في المذهب أو من لا يحسن القراءة ولو في الأذكار الواجبة إلاّ بقدر طاقته ، لوضوح الفارق بين المقامين فلا يقاس أحدهما على الآخر ، وذلك : أنّ المأموم المتقدّم لا يضمن للمتأخّر شيئا من أفعال صلاته ، بل الغرض من اعتبار وجوده في الصفّ المتقدّم إنّما هو إحراز اتّصال المأموم المتأخّر بواسطته بالإمام ، ويكفي فيه إحراز الصحّة الظاهريّة في الصفوف المتقدّمة ، بخلاف الإمام فإنّه يضمن قراءة المأموم فلا بدّ وأن يعتبر في صحّة صلاته الصحّة الواقعيّة.
والسرّ فيه : أنّ المأموم مخاطب بالقراءة الصحيحة ولا تكون إلاّ الصحيحة الواقعيّة في نظره ، فيجب عليه إحراز القراءة الصحيحة الواقعيّة في صلاته بحسب نظره إمّا بمباشرة نفسه كما لو كان منفردا أو بمباشرة غيره كما لو كان مقتديا ، ولا يتأتّى ذلك إلاّ بإحراز الصحّة الواقعيّة في صلاة الإمام ؛ وقضيّة هذا كلّه أن يكون العلم بالمخالفة الشخصيّة مانعا عن الاقتداء.
وهل العلم بالموافقة شرط أو لا ، بل يكفي فيه مجرّد عدم العلم بالمخالفة؟ احتمالان بل قولان ، أصحّهما الثاني عملا بأصالة الصحّة في فعل المسلم في موضع الشكّ والاحتمال