لما لا يعلم حكمه من حيث الحرمة والنجاسة وغيرهما بالخصوص ، أي الواقعة من حيث جهالة حكمها الواقعي ، فيقال في الغناء أو العصير العنبي بعد الغليان مثلا عند جهالة حكمهما الواقعي من حيث الحرمة والنجاسة وغيرهما : « إنّ هذا ما لا يعلم حكمه بالخصوص ، وكلّما لا يعلم حكمه بالخصوص فهو مباح أو طاهر ، فهذا مباح أو طاهر » فإذا عثر على نصّ دالّ على حرمة الأوّل أو نجاسة الثاني صار الأوّل ما علم حرمته والثاني ما علم نجاسته وارتفع به عنهما عدم العلم بحكم الواقعة بالخصوص المأخوذ في موضوع الأصلين ، فالنصّ المفروض وارد عليهما لرفعه بدلالته عن المورد موضوعهما ، فالإباحة والطهارة اللّتين هما مفاد الأصلين لا تجريان في هذا المورد. لاستحالة جريان الحكم مع ارتفاع الموضوع ، فيبقى الحرمة والنجاسة المستفادة من النصّ سليمة عن المعارض.
هذا فيما لو كان النصّ المفروض قطعيّا واضح ، وأمّا ما كان ظنّيا في دلالته أو سنده أو فيهما معا ـ كالشهرة والإجماع المنقول وخبر الواحد ـ مع فرض حجّية كلّ من باب الظنّ الخاصّ أو المطلق فقد يتوهّم وقوع التعارض بينها وبين الأصل ، لأنّ قصارى ما يحصل منها الظنّ بالحرمة أو النجاسة وهو أيضا من أفراد عدم العلم المأخوذ في موضوع الأصل ، فيقال في الغناء أو العصير : أنّه من حيث إنّه ما ظنّ حرمته أو نجاسته حرام أو نجس ، ومن حيث إنّه ما لم يعلم حرمته أو نجاسته بالخصوص مباح أو ظاهر ، ولا نعني من التعارض إلاّ هذا.
ولكن يزيّفه : أنّ هذا إنّما يتوجّه على تقدير كون المأخوذ في موضوع الأصل عدم العلم الحقيقي بحكم الواقعة بالخصوص وهذا خلف ، بل المراد به ما يعمّ العلم الحقيقي والعلم الشرعي ، والظنّ الثابت حجّيته بدليل علمي من عقلي أو سمعي علم شرعي ، فبورود الأمارة الظنّية في الواقعة يحصل العلم الشرعي بحكم الواقعة بالخصوص ويرتفع به موضوع الأصل وهو عدم العلم بالمعنى الأعمّ.
والسرّ في عموم موضوع الأصل أنّ أدلّة حجّية الأمارة الظنّية القاضية بعدم الاعتناء باحتمال مخالفتها الواقع متعرّضة بهذا المضمون لحال أدلّة اعتبار الاصول ، ببيان : أنّ عدم العلم المأخوذ في موضوعها أعمّ من عدم القطع وعدم الظنّ الحاصل من تلك الأمارة.
ولا ريب أنّ بورود الأمارة ودلالتها الظنّية على الحكم من نجاسة أو حرمة أو وجوب أو على خلاف مقتضى الحالة السابقة في الاستصحاب ونحو ذلك يرتفع ذلك الموضوع ، فالأمارة الظنّية كائنة ما كانت إن اعتبرت مقيسة إلى الأصل كانت واردة ورافعة لموضوعه ،