قد يقال في ميزان الحكومة : أن يكون الدليل الحاكم بحيث لولا الدليل المحكوم عليه لكان لغوا خاليا عن المورد.
فالحاكم باعتبار أنّ تعرّضه لحال المحكوم عليه قد يكون بإدخال شيء في موضوعه وإثبات حكمه لذلك الشيء ، وقد يكون بإخراج شيء عن موضوعه ونفي حكمه عن ذلك الشيء قسمان ، إلاّ أنّ أكثر الأمثلة المذكورة في هذا الباب منطبقة على القسم الثاني ، فمن أمثلته ما دلّ على أنّه لا حكم للشكّ مع الكثرة ولا بعد الفراغ ولا في النافلة ولا لشكّ الإمام أو المأموم مع حفظ الآخر ، فإنّه حاكم على الأدلّة المتكفّلة لبيان أحكام الشكوك من تأثيره في بطلان العبادة أو البناء [ على الأكثر ] أو تدارك المشكوك فيه أو غير ذلك ، وناطق بنفس مضمون « لا حكم للشكّ في هذه الصور » بأنّ المراد من الشكّ في تلك الأدلّة ما عدا هذه الشكوك ، أو أنّه بنفس هذا المضمون ينفي أحكام الشكّ عن هذه الشكوك.
ومنها (١) : الأدلّة النافية للعسر والحرج بالقياس إلى سائر الأدلّة الخاصّة المثبتة التكاليف الإلزاميّة في أبواب العبادات وغيرها ، فإنّ قوله تعالى : إنّما ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ينفي التكاليف الإلزاميّة المستفادة من تلك الأدلّة عن موارد العسر ، ويدلّ بنفس هذا المضمون على خروج تلك الموارد عن موضوعات هذه الأدلّة.
ومنها : الأدلّة النافية للضرر بالقياس إلى الأدلّة الخاصّة المتكفّلة لبيان الأحكام الشرعيّة تكليفيّة ووضعيّة ، فإنّ قوله : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » بنفس هذا المضمون ينفي الأحكام المستلزمة للضرر ويدلّ على خروج موارد الضرر عن موضوعات تلك الأدلّة ، إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على الخبير البصير. بل لم نقف للقسم الأوّل على مثال واضح خال عن التكلّف ، حتّى أنّ ما قد يذكر في مثال هذا القسم ـ من حكومة الأدلّة الدالّة على أنّ من تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث يبني على الطهارة على مثل قوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) وقوله عليهالسلام : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » وقوله : « لا صلاة إلاّ بطهور » إلى غير ذلك من أدلّة وجوب الوضوء واشتراط الطهارة للصلاة الظاهرة في اعتبار الوضوء الميتقّن واعتبار اليقين في إحراز الطهارة ، لقضائها بأنّ شرط الصلاة أعمّ من الطهارة المتيقّنة والطهارة المستصحبة ، أو بأنّ اليقين المعتبر في إحراز الطهارة أعمّ من
__________________
(١) هذا وما بعده من أمثلة القسم الثاني من أقسام الحكومة الّتي أشار إليها آنفا بقوله : « ومن أمثلته ما دلّ على أنّه لا حكم للشكّ مع الكثرة الخ ».