من المتعارضات من غير نكير ، ولا يقدح فيه ما تقدّم عن الكليني ، لأنّه بناء على أظهر احتماليه ليس نفيا لوجوب الترجيح مع وجود المرجّح بل هو انكار لوجود المرجّح ، بناء منه على أنّ المرجّحات المنصوصة لا توجد إلاّ في أقلّ قليل من الروايات.
وخامسا : الأخبار العلاجيّة الآمرة بالترجيح والأخذ بذي المزيّة وطرح صاحبه ، فإنّه يستفاد من المجموع وجوب الترجيح وتعيّن العمل بالأرجح في الجملة ، سيّما ما اشتمل منها على قول الراوي : « بأيّهما آخذ » فإنّه يدلّ على كون تعيّن العمل بالراجح أمرا ثابتا مفروغا عنه والسؤال إنّما وقع لمعرفة المرجّح ، ولذا تعرّض الإمام عليهالسلام لبيان المرجّحات بقوله : « خذ بما اشتهر بين أصحابك » وغيره.
وبالجملة الأوامر الموجودة في هذه الأخبار ظاهرة في الوجوب ولا صارف لها إلى غيره ، مضافا إلى شواهد اخر كثيرة ترشد إلى إرادة الوجوب وتصرف مواردها عن إرادة الاستحباب.
وأمّا ما عرفته عن السيّد الصدر من استحباب الترجيح فهو من غرائب القول ، ولا يوافق مذهب الاصولي ولا مذاق الأخباري ، ولا يناسب قانون فهم الأخبار ولا يلائم التوقّف في الأخبار الآمرة به ، لأنّ حكم المتعارضين مع تكافؤهما من جميع الجهات إذا كان هو الوقف دون التخيير فلأن يكون مع اختلافهما في الرجحان والمرجوحيّة هو الوقف دون التخيير طريق الأولويّة.
وإن لم يسلّم الأولويّة فلا أقلّ من التساوي ، وإلاّ فمعنى التخيير مع الاختلاف هو جواز الأخذ بالمرجوح مع وجوب الوقف عند التساوي الملازم لعدم المرجوحيّة في شيء من الطرفين.
ولعلّ ذلك ممّا يضحك به الثكلى ، إلاّ على تقدير حمل الأمر بالوقف أيضا على الاستحباب ولا نظنّه أنّه يرضى بذلك ، مع أنّه لا يلائم النهي عن الالتفات والاعتناء بما حكم به غير الأعدل وغير الأفقه ، ولا تعليل الأمر بالأخذ بما وافق الكتاب بأنّ ما خالفه زخرف وأنّه يضرب على وجه الجدار ، ولا تعليل الأمر بالأخذ بما خالف العامّة وطرح ما وافقهم بأنّ الرشد في خلافهم ، ولا ما ورد فيها من أنّ بناءهم في المسائل كان على مخالفة أمير المؤمنين عليهالسلام حيث كانوا يسألونه ثمّ يلتزمون بخلاف ما يسمعونه منه ، ولا تعليل الأمر بالأخذ بالمشهور وطرح الشاذّ النادر بأنّ المجمع عليه لا ريب فيه.