فرض صدور الكلّ عن الأئمّة عليهمالسلام؟
قلنا : منشأ الاختلاف في الأخبار غير منحصر في اختلاط الأخبار الكاذبة ودسّ الأحاديث الموضوعة ، بل قد يحصل تقيّة كما يدلّ عليه قولهم : « نحن نلقي الخلاف بينكم ».
فإن قلت : إنّ التقيّة يشترط فيها الموافقة للعامّة ، فلو فرض كون المتعارضين مخالفين لهم فلا يتطرّق إليهما احتمال التقيّة ، فكيف ينزّل الاختلاف في الأخبار على التقيّة مع عدم احتمالها.
قلت : نمنع اشتراط التقيّة بالموافقة ، لأنّها كما قد تحصل ببيان ما يوافق العامّة فقد تحصل بإلقاء الخلاف من دون أن يكون هناك موافقة ، واستشهد لذلك بجملة من الروايات الّتي ذكرها في المقدّمة الثانية (١) من مقدّمات الحدائق (٢) ، فمبنى مخالفته المشهور كما يظهر من كلامه على ذلك ظاهر.
ويرد عليه : أنّ ما ذكره في وجه اختلاف الأخبار وإن كان في الجملة حسنا متينا قابلا لأن يذكر في الكتب العلميّة يصدر من أهل العلم ، غير أنّه إنّما يسلّم في الجملة لا مطلقا ، بمعنى أنّ كلّ اختلاف في الأحاديث ليس ناشئا عن الأئمّة واقعا منهم عليهمالسلام لمراعاة مصلحة إلقاء الخلاف بينهم وإن كان قد يكون لذلك ، بل الغالب من أسباب حصول الاختلاف بعد تسليم قطعيّة صدور الجميع أو الظنّ بها إنّما هو كثرة إرادة خلاف ظواهر تلك الأخبار لقرائن حاليّة ومقاميّة زالت بانقضاء زمان التخاطب ، أو بقرائن لفظيّة متّصلة اختفت علينا لكثرة ما تطرّق إلى الأحاديث من التقطيع أو النقل بالمعنى أو غير ذلك ، أو بقرائن لفظيّة منفصلة ذهبت عنّا بانطماس كتب الأحاديث واندراسها ، أو بغير قرائن لمصلحة التقيّة بناء على ما تقدّم من أنّ التقيّة قد تكون بالتأويل ، أو لمصلحة اخرى غير التقيّة علمها الإمام عليهالسلام ، ومن ذلك ما روي : « أنّه لمّا سأله عليهالسلام بعض أهل العراق وقال : كم آية تقرأ في صلاة الزوال؟ فقال عليهالسلام : ثمانون ، ولمّا بعد السائل فقال عليهالسلام : هذا يظنّ أنّه من أهل الإدراك ، فقيل له : ما أردت بذلك ، وما هذه الآيات؟ فقال : أردت منها ما يقرأ في نافلة الزوال ، فإنّ الحمد والتوحيد لا يزيد على عشرة آيات ، ونافلة الزوال ثمان ركعات » ونحوه غيره ممّا يظفر عليه المتتبّع.
ويؤيّد ما ذكرنا ـ من كون الغالب من أسباب اختلاف الأحاديث إنّما هو إرادة خلاف
__________________
(١) والصواب : المقدّمة الاولى.
(٢) الحدائق ١ : ٨.