وأمّا على الثانية : فلأنّها عبارة عن العمل بما يوافقهم أو تطبيق العمل على مذهبهم.
ومن البيّن استحالة تحقّق الحكم منفكّا عن موضوعه.
فتحقيق المقام : أنّ مصالح صدور الخبر على خلاف الواقع كما أشرنا إليه سابقا كثيرة ، منها : إلقاء الخلاف بين الشيعة ، ومنها : التقيّة قوليّة أو فعليّة.
فالتقيّة مصلحة مقابلة لمصلحة إلقاء الخلاف بين الشيعة ، وعدم (١) الموافقة للعامّة لا تعتبر في الاولى مع اعتبارها في الثانية ، فالإيراد على المشهور بمنع اعتبارها في الثانية تعليلا بأنّها غير معتبرة في الاولى مع كونها في الطرف المقابل من الثانية كما ترى ، إلاّ أن يعتذر بجعله التقيّة للأعمّ وعليه مبنى عدم اعتبار الموافقة فيها وحينئذ فلا مشاحّة ، إلاّ أنّ النزاع معه حينئذ لفظيّ ببعض معانيه لرجوعه إلى تسمية إلقاء الخلاف بين الشيعة تقيّة.
وبالجملة الخلاف الّذي أحدثه إن كان معنويّا فممّا لا محصّل له ، وإن كان لفظيّا فممّا لا جدوى فيه.
ولعلّ منشاءه أنّه لمّا وجد أصحابنا المتأخّرين من العلاّمة ومن بعده أنّهم أحدثوا في تنويعهم الأخبار على أربعة أنواع وضعوا فيها اصطلاحا الصحيح والموثّق والحسن والضعيف ، وتخيّل من ذلك أنّ الباعث عليه اختلاف الأخبار المرويّة عن أهل بيت العصمة عليهمالسلام غاية الاختلاف وكثرة تبائنها وتعارضها بمظنّة أنّ هذا الاختلاف إنّما نشأ من اختلاط الأخبار الكاذبة بالأخبار الصادقة ، ودسّ الأحاديث الموضوعة في الأحاديث المأثورة الصادرة منهم عليهمالسلام ، فأخذوا بذلك التنويع ووضعوا ذلك الاصطلاح ، ليتميّز به الأخبار الصادقة عن الكاذبة والأحاديث المدسوسة عن الأحاديث المأثورة ، فأخذ رحمهالله بدفع هذا التوهّم ومنع وجود الأخبار الكاذبة في الأخبار الموجودة بأيدينا المودعة في الكتب الأربعة بدعوى أنّها قطعيّة الصدور ، لأنّ قدماء أصحابنا المحدّثين كالكليني والصدوق والشيخ وغيرهم من أرباب التصانيف رضوان الله عليهم وقدّس الله أرواحهم تعبوا خواطرهم في تصحيح تلك الأحاديث فنقّحوها ونقّبوها وأخرجوا منها الأخبار الكاذبة بقدر جهدهم وعلى حسب وسعهم ، فهذه الأخبار الّتي بأيدينا اليوم وصلت منهم إلينا مصفّاة منقّاة خالية عن الكاذبة والموضوعة بالمرّة ، فلا يمكن حينئذ توهّم اختلاطها بها لتمسّ الحاجة إلى التميّز والتشخيص.
ثمّ إن قلت : فما وجه هذا الاختلاف الموجود فيها ، ومن أيّ شيء حصل ذلك مع
__________________
(١) كذا في الأصل ، والصواب ، و « الموافقة للعامّة » إلخ.