التعليل : « بأنّه أبقى لنا ولكم ».
وبالجملة فالموافقة لهم غير لازمة في التقيّة ، فلا وجه للاقتصار في الحمل عليها على صورة الموافقة.
وفيه ـ مع أنّه ينافي ما تقدّم سابقا من قوله عليهالسلام : « ما سمعته منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعته منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه » ـ : أنّ التقيّة مع عدم موافقته العامّة ممّا لا يكاد يتعقّل ، إذ الخبر الّذي يحمل على التقيّة إمّا سليم عن المعارض أو له معارض ، وعلى الثاني إمّا أن لا يكون بينهما ترجيح ، بأن يكونا متساويين من جميع الوجوه ، أو يكون بينهما ترجيح ، وعلى الثاني إمّا أن يكون الترجيح من غير جهة التقيّة أو من جهة التقيّة.
وأيّا ما فالحمل على التقيّة بدون موافقة العامّة غير صحيح ، أمّا في الأوّل : فلأنّ حمل الخبر السليم عن المعارض على التقيّة لابدّ له من أمارة ولا تكون إلاّ الموافقة ، ولم نقف على من حمله على التقيّة بدونها ، حتّى أنّ المعترض أيضا لا يحمل عليها كيف وهو غير ممكن.
وأمّا في الثاني : فلأنّ حمل أحدهما على التقيّة مع فرض التساوي غير ممكن لقيام احتمالها في كليهما على نهج سواء ، فلابدّ لتخصيص أحدهما بذلك الحمل من مخصّص ولا مخصّص إلاّ الموافقة.
وأمّا في الثالث : وهو أن يكون بينهما ترجيح من غير جهة التقيّة كأن يكون أحد الخبرين مشهورا مثلا ، فهم في مثل ذلك لا يحملونه ولا صاحبه ـ وهو الخبر الشاذّ ـ على التقيّة ، بل يأخذون بموجب الشهرة ، وإن كان ولابدّ من الحمل عليها حينئذ فهو من دون أمارة تعيّن محلّها غير ممكن ، والشهرة لا تصلح أمارة عليه فلابدّ من اعتبار الموافقة.
وأمّا في الرابع : وهو أن يكون ترجيح بينهما من جهة التقيّة ، وهو أن يرجّح أحدهما بحمل صاحبه على التقيّة ، وهذا أيضا ممّا لا يمكن إلاّ إذا كان المحمول عليها موافقا للعامّة ، وإلاّ فلو كانا مخالفين لهم فهو أمارة عدم التقيّة ، ومعه كيف يحمل أحدهما عليها ، ولو كانا موافقين لهم فهو أمارة التقيّة فيهما ومعه كيف يحمل أحدهما عليها دون صاحبه؟
وبالجملة الخلاف الّذي زعمه بينه وبين المشهور لابدّ له من محلّ ، ولا يصلح شيء من الأقسام الأربعة محلاّ له ولا نعقل ممّا سواها ما يصلح محلاّ له ، هذا مع أنّ التقيّة قوليّة كانت أو فعليّة حكم اخذ في موضوعه الموافقة ، أمّا على الأوّل : فلأنّها عبارة عن إظهار الموافقة للعامّة.