في ذلك برواية رويت عن الصادق عليهالسلام ، وهو إثبات مسألة علميّة بخبر الواحد.
ولا يخفى عليك ما فيه ، مع أنّه قد طعن فيه فضلاء من الشيعة كالمفيد وغيره ، فإن احتجّ بأنّ الأبعد لا يحتمل إلاّ الفتوى والموافق للعامّة يحتمل التقيّة فوجب الرجوع إلى ما لا يحتمل.
قلنا : لا نسلّم أنّه لا يحتمل إلاّ الفتوى ، لأنّه كما جاز الفتوى لمصلحة يراها الإمام عليهالسلام كذلك يجوز الفتوى بما يحتمل التأويل لمصلحة يعلمها الإمام عليهالسلام وإن كنّا لا نعلم ذلك.
فإن قال : أنّ ذلك يسدّ باب العمل بالحديث.
قلنا : إنّما نصير إلى ذلك على تقدير التعارض وحصول مانع يمنع من العمل لا مطلقا ، فلا يلزم سدّ باب العمل » انتهى.
ملخّص ما ذكره في الاعتراض على تنزيل الخبر الموافق للعامّة على التقيّة معارضة احتمال التقيّة فيه باحتمال التأويل في الخبر الأبعد من قول العامّة بأن ينزّل على خلاف ظاهر يرى الإمام عليهالسلام إرادته لمصلحة علمها ، فهو كما يحتمل الإفتاء بظاهره المخالف للعامّة يحتمل الإفتاء بخلاف ظاهره الموافق للعامّة.
ويدفعه : أنّ احتمال التقيّة في أحد المتعارضين لا يلتفت إليه إلاّ إذا تساويا من جميع الجهات الراجعة إلى الصدور والمتن والدلالة ، فإمّا أن لا يجري احتمال التأويل في الأبعد أو يجري نحوه في الموافق أيضا فيتعارضان ، فيبقى احتمال التقيّة في الموافق سليما.
هذا مضافا إلى ما يقال : من أنّه لو فرض اختصاص الخبر المخالف باحتمال التأويل وعدم تطرّقه في الخبر الموافق كان اللازم ارتكاب التأويل في الخبر المخالف ، لأنّ النصّ والظاهر لا يرجع فيهما إلى المرجّحات الاخر ، فما ذكره من المعارضة خارج عن معقد كلام الشيخ.
ثمّ اعلم أنّ المشهور بين العلماء قولا وعملا أنّ حمل الخبر على التقيّة لا يكون إلاّ مع الموافقة لمذهب العامّة ولو لبعضهم ، فالموافقة لهم شرط لحمله عليها ، خلافا لصاحب الحدائق في المقدّمة الثانية من مقدّمات الحدائق فأنكر اشتراط الموافقة في الحمل على التقيّة ، فزعم أنّ التقيّة كما تحصل ببيان ما يوافق العامّة كذلك تحصل بمجرّد إلقاء الخلاف بين الشيعة كيلا يعرفوا فيؤخذ برقابهم ، واستند في ذلك إلى روايات وردت في وجه اختلاف أخبارهم عليهمالسلام المشتملة على قولهم : « نحن نلقي الخلاف بينكم » وفي بعضها