والآخر ظاهر مع كون راويه أعدل ، حيث لا يؤخذ فيه بمقتضى مرجّح الصدور مع انضمام أصالة الحقيقة في جانب الظاهر ، لأنّه يستلزم طرح خبر العادل الّذي هو الأظهر ، وهو ينافي عموم أدلّة حجّية خبر العدل ، فإنّه يقتضي صدورهما معا ، وينهض صدور الأظهر قرينة على كون المراد بالظاهر خلاف ظاهره طرحا لأصالة الحقيقة ، وهي لا تعارض عموم أدلّة الحجّية ، ولأجل ذا يقدّم مرجّح الدلالة على مرجّح الصدور.
وفيه من المغالطة ما لا يخفى ، أمّا أوّلا : فلأنّ الطرح اللازم من الترجيح لا ينافي أدلّة الحجّية إمّا لعدم كونه من جهة فقد المقتضي وهو الحجّية الذاتيّة ، بل لوجود المانع ، أو لأنّ أدلّة الحجّية إنّما اقتضت وجوب العمل بخبر العدل ما لم يمنعه المانع ، والتعارض مانع.
وأمّا ثانيا : فلأنّ مستند ترجيح الخبر الموافق المستلزم لطرح الخبر المخالف ليس هو الأصل المذكور حتّى يقال : إنّه لا يصلح معارضا لعموم أدلّة الحجّية ، بل النصّ الدالّ بإطلاقه على وجوب الترجيح بالأعدليّة وغيرها من مرجّحات الصدور وهو مقبولة عمر بن حنظلة ، ولا ريب أنّه يصلح مخرجا من عموم الحجّية ، والأصل المذكور إنّما يتمسّك به لرفع المانع من العمل بالخبر الموافق بعد تقديمه على المخالف وهو احتمال التقيّة لا لأجل طرح المخالف.
وأمّا ثالثا : فلأنّ حمل الخبر على التقيّة في معنى الطرح فيشكل التعلّق في الحكم بصدورهما معا بأدلّة الحجّية ، لأنّ معنى حجّيّة خبر الواحد وجوب تصديق راويه ، ومعنى تصديقه ترتيب آثار الصدق على خبره ، ومعنى ذلك الأخذ بمضمونه والتعبّد بمدلوله على حسب الدلالات المعتبرة على أنّه حكم الله الواقعي ، وهذا كما ترى ممّا لا يتأتّى في الخبر المحمول على التقيّة ، لوضوح أنّ معناه عدم الأخذ بمضمونه والتعبّد بما هو مقتضاه وهذا في معنى الطرح ، فلم يترتّب على الأخذ بموجب أدلّة الحجّية ما هو الغرض المطلوب منها وهو التصديق بالمعنى المذكور.
لا يقال : إنّ معنى تصديق الراوي عدم تكذيبه ، أي عدم الحكم بكونه كاذبا في إخباره عن المعصوم ، وهذا كما ترى يتأتّى في الخبر المحمول على التقيّة أيضا ، لأنّا نصدّقه ولا نكذّبه ، ولكن يحمل خبره على التقيّة لأجل القرينة.
لعدم كون معنى التصديق المدلول عليه بأدلّة الحجّية ما يرجع إلى المخبر ، بل المراد به ما يرجع إلى الخبر ، أعني ترتيب آثار الصدق عليه بالأخذ بمضمونه والتعبّد بمقتضاه ، فالخبر المحمول على التقيّة لا يتناوله أدلّة الحجّية ، كما أنّ الخبر الضعيف الصادر من الفاسق