أمّا الأوّل : فلأنّ إشكال التعارض ينشأ من شبهة الدلالة فلا يرجع فيها إلى المرجّحات الواردة في أخبار الترجيح الراجعة تارة إلى الصدور واخرى إلى جهته وثالثة إلى المضمون.
وتوضيحه : أنّ التعارض ممّا يوجب التحيّر في العمل بالمتعارضين ، وهو قد يحصل بالنسبة إلى الصدور أو جهته مثلا ، فلا يدرى أنّ أيّا من الخبرين صدر أو أيّا منهما لم يصدر ، أو أنّ أيّا منهما صدر على وجه بيان الواقع وأيّا منهما صدر على وجه التقيّة ، وقد يحصل بالنسبة إلى الدلالة بعد إحراز السند بعنوان القطع أو الظنّ أو التعبّد فلا يدرى أنّ أيّا منهما اريد ظاهره وأيّا منهما اريد خلاف ظاهره ، فإن كان الخبر من قبيل القسم الأوّل لا بدّ فيه من الرجوع إلى قواعد الترجيح وإعمال المرجّحات الواردة في الأخبار المستلزم لطرح أحد السندين ، ومع فقدها فالتخيير المستلزم للطرح أيضا ، ولذا ورد في سؤالات هذه الأخبار قوله : « بأيّهما آخذ؟ » ـ أو « بأيّهما نأخذ؟ » نظرا إلى أنّ كلمة « أيّ » سؤال عن التعيين ، فتكون قاضية بأنّ تعيّن طرح أحد السندين كان مفروغا عنه عند السائل وسؤاله إنّما كان عن تعيينه ، وصدر الجواب عن الأئمّة عليهم [ السلام ] على حسب ما زعموه بذكر المرجّحات الّتي وجودها وفقدها معيار الأخذ والطرح بقولهم : « خذ بكذا ، واترك كذا ، وتخيّر إذن ».
وإن كان من قبيل القسم الثاني فلا بدّ من الرجوع إلى القرائن الخارجيّة المعتبرة في إحراز الدلالة وتشخيص المراد ، وعلى تقدير عدم وجودها لا مناص من الوقف اجتهادا والأخذ بالاصول على حسب ما يناسب المقام عملا.
والظاهر أنّه في تعارض العامّين من وجه بل ومطلق الظاهرين من قبيل القسم الثاني كما في مقطوعي الصدور ، إذ الكلام بعد تنزيلهما منزلة مقطوعي الصدور وفرض صدورهما ـ أخذا بموجب أدلّة حجّية السند ـ فالتحيّر حينئذ من جهة الدلالة ، للعلم الإجمالي بإرادة خلاف ظاهر أحدهما وهو غير معيّن ، فلا منافاة في أدلّة الترجيح والتخيير للأخذ بالسندين هنا حتّى تكون مانعة عن الأخذ ، مع أنّ السند الّذي يطرح على ما هو اللازم من الترجيح أو التخيير إن اعتبر بالقياس إلى تمام مدلول أحد العامّين فهو ممّا لا داعي إليه ، لإمكان العمل بهما معا في مادّتي افتراقهما ، وإن اعتبره بالقياس إلى بعض مدلوله وهو مورد الاجتماع فهو غير معقول لأنّ السند لا يتبعّض ، والأصل فيه أنّ العامّ الصادر عن المتكلّم إنّما يصدر صدورا واحدا يتساوى نسبته إلى جميع الأفراد ، فلا يعقل الأخذ به بالنسبة إلى بعض الأفراد وطرحه بالنسبة إلى البعض الآخر.