كلام الأصحاب ومصبّ أخبار الباب هو الموافقة والمخالفة بطريق التباين الّذي لا يمكن معه الجمع بين المتعارضين على وجه يكون مقبولا عند العرف سواء لم يمكن أصلا أو أمكن ولم يكن مقبولا ، لا الموافقة والمخالفة بالعموم والخصوص وغيرهما من أنواع الظهور والنصوصيّة.
وتوضيح ذلك : إنّ الموافقة والمخالفة للكتاب في الخبرين المتعارضين على قسمين :
أحدهما : أن يكون الخبران بحيث لولا الخبر الموافق لكان الخبر المخالف مقدّما على الكتاب لكونه أقوى دلالة بالنصوصيّة ، كما فيما لو كان خاصّا والكتاب عامّا وغيرهما من أنواع النصّ والظاهر ، كقوله : « لا بأس ببيع العذرة » مع قوله : « ثمن العذرة سحت » قبالا لقوله تعالى : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) الوارد في الكتاب ، وقوله : « أكرم زيدا العالم » مع قوله : « لا تكرم زيدا العالم » قبالا لقوله : « أكرم العلماء » المفروض وروده في الكتاب.
وثانيهما : أن يكون الخبران بحيث لولا الخبر الموافق لكان الخبر المخالف مطروحا لمخالفته الكلّية وعلى وجه التبائن لا يمكن الجمع بينه وبين الكتاب أصلا أو أمكن ولم يصحّ عرفا ، ولم نقف لذلك على مثال إلاّ على سبيل الفرض مثل قوله : « الخمر نجس » في خبر ، وقوله : « الخمر طاهر » في آخر ، مع ورود « الخمر نجس » في الكتاب ، وقوله : « أكرم العلماء » وقوله : « لا تكرم العلماء » مع ورود « أكرم العلماء » في الكتاب ، وقوله : « أكرم زيدا » وقوله : « لا تكرم زيدا » مع ورود « أكرم زيدا » في الكتاب.
ولذا يقال : إنّ الصورة الاولى من هذا القسم عديمة المورد والصورة الثانية منه قليلة المورد فيما بأيدينا اليوم من الأخبار المتعارضة ، والوجهان المذكوران عن المحقّق بظاهرهما لا ينطبقان إلاّ على هذا القسم ، لأنّ موافقة الكتاب فيه تقضي بصدق مضمون الخبر الموافق وصدوره عن المعصوم ولو بلفظ آخر فتكشف عن كذب مضمون الخبر المخالف لوقوع خلل فيه إمّا في صدوره أو دلالته أو جهة صدوره ، وأنّ الخبر المخالف في نحوه ممّا لا يعمل به لو انفرد وسلم عن معارضة الخبر الموافق لعدم إمكان الجمع بينه وبين الكتاب على وجه يقبل عرفا وعدم مقاومته سندا لمعارضة الكتاب ، إذ كلّ ما يفرض معه من المزايا الموجبة للترجيح من أعدليّة الراوي ونحوها لا يقاوم قطعيّة سند الكتاب مع عدم جريان احتمال التقيّة في صدوره ولا احتمال الكذب في مضمونه ، فلم يبق فيه جهة مجوّزة للعمل به دون الكتاب إلاّ احتمال النسخ الّذي مرجع الحمل عليه إلى الترجيح باعتبار الدلالة ،