ومستند الآخرين : أنّ فائدة التأسيس أقوى من فائدة التأكيد ، وحمل كلام الشارع على ما هو أكثر فائدة أولى ، وهذا يحصل بترجيح المقرّر ، لأنّ ترجيح الناقل يستدعي تقديم المقرّر في الصدور فيكون تأكيدا وهو إخراج لكلامه عن الفائدة أو حمل له على أقلّ فائدة ، وترجيح المقرّر يقتضي تقديم الناقل عليه في الصدور فيكون فائدته رفع حكم العقل وإذا تأخّر عنه المقرّر يكون فائدته رفع حكمه ، فأفاد كلّ منهما فائدة فتكثّرت الفائدة فكان أولى.
وفي الجميع ما لا يخفى من الضعف ، فإنّ المفروض أنّ الخبرين من جهة الحجّية وشمول أدلّتها لهما متساويان ولا مزيّة لأحدهما على الآخر أصلا ، فجعل الناقل ناسخا ليس بأولى من العكس ، مع أنّ جعل رفع حكم العقل من النسخ المأخوذ فيه رفع الحكم الشرعي كما ترى ، كما أنّ أولويّة التأسيس من التأكيد ـ بعد تسليمها ـ لا تصلح دليلا على تعيين المرجع سندا ، فإنّها قاعدة لو سلّمناها كانت جارية في كلام متكلّم اشتبه مقصوده ودار بين كونه تأسيسا أو تأكيدا ، فيقال حينئذ : إنّ التأسيس أولى ، إذ الظاهر في كلّ كلام بملاحظة الغلبة نوعا أو صنفا الإفادة دون الإعادة ، فهذا من مرجّحات الدلالة ولا مجرى له فيما نحن فيه.
وبالجملة الاستناد إلى أمثال هذه الاعتبارات في نظائر المقام في غاية الإشكال بل لا وجه له ، فالأولى الرجوع إلى سائر القواعد الكلّية العامّة ، وينبغي أوّلا النظر في أنّ حمل أحد الخبرين على كونه ناسخا والآخر منسوخا هل هو جائز أو لا؟ وعلى الأوّل فهل يصلح طريقا للجمع بينهما أو لا؟
فنقول : إن كان الخبران عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم جاز كون أحدهما ناسخا والآخر منسوخا ، فإن علم تاريخهما من حيث التقدّم والتأخّر كان المتأخّر ناسخا والمتقدّم منسوخا ، فيؤخذ بالمتأخّر سواء كان موافقا للأصل أو مخالفا له.
وبعبارة اخرى : يقدّم المتأخّر ناقلا كان أو مقرّرا.
وإن جهل التاريخ جرى احتمال الناسخيّة والمنسوخيّة في كلّ منهما على نهج سواء ، فيكونان كالعامّين من وجه إذا احتمل في كلّ منهما كونه مخصّصا للآخر ، فلا بدّ من التوقّف والرجوع إلى الأصل ، ومجرّد موافقة الأصل ومخالفته لا تصلح معيّنة ، فيكون الأصل حينئذ مرجعا.
وإن كان عن الأئمّة عليهمالسلام فإن جوّزنا النسخ في أخبارهم جرى فيه التفصيل المتقدّم ،