نفس الأمر ، كيف والإجماع عبارة عن اتّفاق الآراء الكاشف عن رأي الحجّة ، وحصوله فيما بين العلماء مع اعتقادهم بالانفتاح يتوقّف على ثبوت مقدّمات :
أحدها : التفاتهم إلى أصل انسداد باب العلم بالمعنى الأعمّ بالقياس إلى معظم الأحكام وموضوعاتها الشرعيّة.
وثانيها : تجويزهم طروّه بزوال ما وجد عندهم من المدارك المعتبرة في بعض أجزاء عصرهم أو في الأعصار المتأخّرة.
وثالثها : اعتقادهم بكون المرجع حينئذ هو الظنّ المطلق دون غيره حتّى الاحتياط ، ولا سبيل إلى إحراز شيء من هذه المقدّمات خصوصا إذا كان اعتقادهم بوجود المدارك المعتبرة ناشئا عن مقدّمة عقليّة كقاعدة اللطف ونحوها.
ثمّ ملاحظة قلّة المعلومات كيف تنفع المنصف في وجدان هذا الإجماع.
إلاّ أن يقال : إنّ قلّة المعلومات لمن لاحظها ممّا يحرز موضوع العسر والحرج المنفيّين المترتّبين على الالتزام بالاحتياط في غير المعلومات ، وهذه قاعدة متّفق عليها ، فهم مجمعون على نفي مرجعيّة الاحتياط على تقدير تحقّق الانسداد في المعظم.
وفيه ـ مع أنّ الكلام في حصول هذه الملاحظة بالقياس إليهم وقد عرفت منعه ـ : أنّ هذا الإجماع على هذا التقدير إنّما انعقد عن مدرك معلوم وهو القاعدة ، فيكون كاشفا عن المدرك لا عن رأي الحجّة.
ومآل الاستناد إلى مثل هذا الإجماع إلى التمسّك بالمدرك المعلوم ، فلا يكون دليلا على حدة غير القاعدة ، هذا.
ولكنّ الإنصاف : أنّ المناقشة في تحقّق هذا الإجماع كأنّها خلاف الإنصاف ، كما يظهر بالتتبّع في مطاوي كلماتهم وتضاعيف عباراتهم الصادرة عنهم في الكتب الاصوليّة والفقهيّة حتّى من السيّد ونظرائه القائل بانفتاح باب العلم ، لما فيها من التصريح بمرجعيّة الظنّ على تقدير الانسداد ، بل التصريح بالإجماع عليه على هذا التقدير ، كما يعلم ذلك من مراجعة مسألة الواجب الموسّع عند قولهم بكون الظنّ بدخول الوقت منجّزا للتكليف ، وفي باب القبلة والأوقات ، ومكان المصلّي وغير ذلك ممّا يطّلع عليه المتتبّع.
ومع ذلك فالعمدة في المقام التمسّك بقاعدة العسر والحرج الشديدين البالغين حدّ الإخلال بنظام معاش الناس ومعادهم ، فإنّها أمر مسلّم لا إشكال فيه ، إذ معناه لزوم الإتيان