ثمّ انعطف أبو الأسود صوب الزبير فذكّره بماضِ ولائه للإمام (عليه السّلام) وقربه منه قائلاً : يا أبا عبد الله ، عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذاً بقائم سيفك تقول : لا أحد أولى بهذا الأمر مِن ابن أبي طالب ، وأين هذا المقام مِنْ ذاك؟! فأجابه الزبير بما لمْ يؤمن به قائلاً : نطلب بدم عثمّان. [فقال له :] أنت وصاحبك ولّيتماه فيما بعد.
ولان الزبير ، واستجاب لنصيحة أبي الأسود ، إلاّ أنّه طلب منه مواجهة طلحة وعرض الأمر عليه ، فأسرع أبو الأسود تجاه طلحة وعرض عليه النصيحة فأبى من الاستجابة ، وأصرّ على الغيّ والعدوان (١) ، ورجع أبو الأسود مِنْ وفادته التي أخفق فيها ، فأحاط ابن حنيف علماً بالأمر ، فجمع أصحابه وخطب فيهم وقال : أيّها الناس ، إنّما بايعتم الله ؛ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.
والله ، لو علم عليٌّ أحداً أحق بهذا الأمر منه ما قبله ، ولو بايع الناس غيره لبايع وأطاع ، وما به إلى أحد مِنْ صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حاجة ، وما بأحد عنه غنى. ولقد شاركهم في محاسنهم وما شاركوه في محاسنه ، ولقد بايع هذان الرجلان وما يريدان الله ؛ فاستحلا الفطام قبل الرضاع ، والرضاع قبل الولادة ، والولادة قبل الحمل ، وطلبا ثواب الله مِن العباد ، وقد زعما أنّهما بايعا مستكرهين ؛ فإنْ كانا استُكرها قبل بيعتهما ، وكانا رجلين مِنْ عرض قريش ، لهما أنْ يقولا ولا يأمرا ؛ ألا وأنّ الهدى ما كانت عليه
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٢ / ٨١.