إنّي والله ما لنفسي بكيت ، ولا لها مِن القتل أرثي وإنْ كنت لمْ أحبّ لها طرفة عين تلقها ، ولكنْ أبكي لأهلي المقبلين. أبكي لحُسين (١).
وازدحمت الشوارع والأزقة بالجماهير الحاشدة لتنظر ما يؤل إليه أمر القائد العظيم وما سيلاقيه مِن الاُمويِّين ، ولمْ يستطع أحد منهم أنْ ينبس ببنت شفة حذراً مِن السلطة العاتية.
وجيء بمسلم أسيراً تحفُّ به الشرطة وقد شهرت عليه السيوف ، فلمّا انتهي به إلى قصر الإمارة رأى جرّة فيها ماء بارد وقد أخذ العطش منه مأخذاً أليماً ، فالتفت إلى مَنْ حوله قائلاً : اسقوني مِنْ هذا الماء.
فانبرى إليه اللئيم الدنس مسلم بن عمرو الباهلي فقال له : أتراها ما أبردها؟ والله ، لا تذوق منها قطرة حتّى تذوق الحميم في نار جهنم.
ولا حدّ لظلم الإنسان ولا منتهى لوحشيته وجفائه ، فما يضرّ اُولئك الجفاة لو سقوه الماء وهو أسير بين أيديهم لا يملك مِنْ أمره شيئاً ، وكان هذا السمت مِن التردّي وسقوط الأخلاق قد عُرف به جميع السفلة الساقطين مِنْ قتلة المصلحين.
فانبرى مسلم فأراد التعرّف على هذا الإنسان الممسوخ الذي تنكّر لأبسط القِيَم الإنسانية قائلاً له : مَنْ أنت؟!
__________________
(١) الإرشاد / ٢٣٨.