سلوك أيّ طريق فيه حرج أو تكلّف على الناس. وبالإضافة إلى ذلك ، فإنّ مسلماً لو لمْ يحرز منه التجاوب التام والإيمان الخالص بدعوته لما التجأ إليه في تلك الفترة العصبية التي تحيط به.
إنّ مِن المؤكد أنّ هانياً لمْ يستجب لحماية مسلم والدفاع عنه على كره أو حياء ، وإنّما استجاب له عن رضى وإيمان يوحي مِنْ دينه وعقيدته.
وعلى أيّ حالٍ فقد استقر مسلم في دار هانئ واتّخذها مقرّاً للثورة ، وقد أحنف (١) به هانئ ودعا القبائل لمبايعته ، فبايعه في منزله ثمانية عشر ألفاً (٢) ، وقد عرف مسلم هانئاً بشؤون الثورة وأحاطه علماً بدُعاتها وأعضائها البارزين.
وذهب معظم المؤرّخين إلى أنّ شريك بن الأعور مرض مرضاً شديداً في بيت هانئ بن عروة أو في بيته (٣) ، فانتهى خبره إلى ابن زياد ، فأرسل إليه رسولاً يعلمه أنّه آت لعيادته فاغتنم شريك هذه الفرصة ، فقال لمسلم : إنّما غايتك وغاية شيعتك هلاك هذا الطاغية ، وقد أمكنك الله منه ، وهو صائر إليّ ليعودني ، فقم فادخل الخزانة حتّى إذا أطمأنّ عندي فاخرج إليه فاقتله ، ثمّ صر إلى قصر الإمارة فاجلس فيه ؛ فإنّه لا ينازعك فيه أحد مِن الناس ، وإنْ رزقني الله العافية صرت إلى البصرة فكفيتك أمرها ، وبايع
__________________
(١) هكذا وردت مفردة (أحنف) ، ولعلها (احتفّ). (موقع معهد الإمامين الحسنين).
(٢) الأخبار الطوال / ٢١٤.
(٣) البداية والنهاية ٨ / ١٥٣ ، والمشهور بين المؤرّخون أنّ شريكاً كان في بيت هانئ لا في بيته ، فقد كان مقيماً بالبصرة ، وجاء مع ابن زياد إلى الكوفة.