ورفع صوته ليُسمعَ مسلماً ، قائلاً :
لله أبوك! أسقنيها وإنْ كانت فيها نفسي (١).
وغفل ابن زياد عن مراده وظنّ أنّه يهجر ، فقال لهانئ :
أيهجر؟
ـ نعم أصلح الله الأمير ، لمْ يزل هكذا منذ أصبح (٢).
وفطن مهران مولى ابن زياد وكان ذكيّاً إلى ما دُبّرَ لسيّده ، فغمزه ونهض به سريعاً ، فقال له شريك : أيّها الأمير ، إنّي اُريد أنْ اُوصي إليك. فقال له ابن زياد : إنّي أعود إليك.
والتفت مهران وهو مذعور إلى ابن زياد فقال له : إنّه أراد قتلك. فبهر ابن زياد وقال : كيف مع إكرامي له؟! وفي بيت هانئ ويد أبي عنده!
ولمّا ولّى الطاغية خرج مسلم مِن الحجرة ، فالتفت إليه شريك وقلبه يذوب أسىً وحسراتٍ ، قال له : ما منعك مِنْ قتله؟! (٣).
فقال مسلم : منعني منه خلّتان : إحداهما كراهية هانئ لقتله في
__________________
وفي الفتوح ٥ / ٧٢ ، والأخبار الطوال / ٢١٤ أنّه أنشد هذا البيت :
ما تنظرون بسلمى عند فرصتِها |
|
فقد ونى ودّها واستوسقَ الصّرمُ |
(١) مقاتل الطالبيِّين / ٩٩.
(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٧٠.
(٣) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠.