.................................................................................................
______________________________________________________
وكيفما كان ، فهذا القول الذي صرّح به في الحدائق من التخيير بين الصيام والفداء لا يمكن المصير إليه بوجه ، لكونه على خلاف ظاهر الآية الكريمة جزماً ، فإنّ في العدول من الخطاب في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) إلخ ، إلى الغيبة في قوله سبحانه (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) إلخ ، دلالة واضحة على أنّ المراد من المعدول إليه طائفة أُخرى غير المخاطَبين بالصيام المنقسمين إلى صحيح حاضر ومريض أو مسافر ، وأنّ الصوم وظيفة لغير هؤلاء حسبما تقدّم.
وعليه ، فالعود ثانياً إلى الخطاب في قوله تعالى (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) كاشفٌ عن رجوع هذه الفقرة إلى من خوطب أوّلاً وكونه من متمّمات الخطاب السابق لا من متمّمات الغيبة المعدول إليها ، وإلّا لكان مقتضى السياق التعبير بلسان الغيبة أيضاً بأن يقال هكذا : وأن يصوموا خير لهم ، بدل قوله سبحانه (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ).
وكأنّه سبحانه وتعالى أشار بذلك إلى أنّ التكليف بالصيام أداءً أو قضاءً يعود نفعه وفائدته إليكم لا إليه سبحانه الذي هو غني عن عباده. فهو إذن خيرٌ لكم كما ورد نظيره في آية التيمّم ، قال تعالى (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (١) إيعازاً إلى أنّ الغاية من التيمّم تطهير النفوس وتزكية القلوب من غير رجوع أيّ نفع من أعمال العباد وطاعاتهم إليه سبحانه.
وعلى الجملة : فهذه الفقرة تأكيد للخطاب السابق ومن ملحقاته ، ولا علاقة ولا ارتباط لها بالجملة الغيابيّة المتخلّلة ما بين الخطابين لتدلّ على الترخيص وجواز الصيام فضلاً عن أفضليّته.
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦.