حزنا يفيض الدّموع من عيني (١) لأتسبّب بذلك (٢) إلى وصل يدوم ومسرّة لا تزول ، فإنّ الصّبر مفتاح الفرج ، ولكلّ بداية نهاية ، ومع كلّ عسر يسرا ، وإلى هذا أشار الشّيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز (٣) ، وللقوم ههنا كلام فاسد أوردناه في الشّرح (٤).
______________________________________________________
(١) أي يجري بسبب الحزن الدّموع من عيني ، ربّما يقال : إنّ هذا ينافي ما تقدّم منه حيث إنّه جعل سكب الدّموع كناية عن الحزن فسكب الدّموع حينئذ ملزوم ، والحزن لازم ، لأنّ معنى الكناية على مذهب المصنّف هو ذكر الملزوم وإرادة اللّازم ، ثمّ مقتضى قوله «يفيض الدّموع» عكس ذلك ، حيث إنّ السّبب وهو الحزن ملزوم ، والمسبّب وهو سكب الدّموع لازم. وقد أجيب عن ذلك أنّ الحزن وسكب الدّموع متلازمان فيصحّ لكلّ أن يعتبر لازما وملزوما.
(٢) علّة لجميع الأفعال المتقدّمة في كلام الشّارح لا لقوله : «أتحمّل» فقط ، أو ناظر إلى قول الشّاعر ، أعني «لتقربوا» كما أنّ «أتحمّل ...» ناظر إلى قوله «تسكب» و «مسرّة لا تزول» إلى قوله «لتجمدا» ، والاحتمال الأوّل أظهر.
(٣) إنّ ما ذكره الشّارح نقلا عن دلائل الإعجاز إنّما هو حاصل معنى البيت ولبّه لا معناه المطابقي بأن كان قد جعل طلب البعد مجازا عن طيب النّفس ، وسكب الدّموع مجازا عن تحمّل الحزن هكذا ، فإنّ ارتكاب التّجوّز من دون سبب يدعو إليه لا مجال له ، وليس في المقام ما يدعونا إلى الالتزام بالمجاز ، قوله «لأتسبّب بذلك» أي بما ذكر من توطين النّفس على مقاساة الأشواق ، وتحمّل الحزن «إلى وصل يدوم ومسرّة لا تزول» فإنّ الصّبر إشارة إلى أنّ علّة التّوطين والتّحمّل في نظر الشّاعر هو هذا ، لا مغالطة الزّمان والإخوان «مفتاح الفرج» كما قيل : (ألا بالصّبر تبلغ ما تريد ، وبالتّقوى يلين لك الحديد) و (مع كل عسر يسرا) كما قيل : (إذا ضاقت بك الدّنيا ففكّر في سورة الانشراح تجد يسرين بعد العسر ، فإنّ فكّرته تفرح) ، هذا ما هو المفهوم من دلائل الإعجاز.
(٤) أي للقوم كلام فاسد في معنى البيت ذكره الشّارح في الشّرح أعني المطوّل ، وملخّص ما في الشّرح : أنّ الشّاعر يقول : أبكي وأحزن ليظنّ الدّهر أنّ الحزن هو المطلوب ، فيأتي بضدّه وهو السّرور ، لأنّ عادة الزّمان والإخوان المعاملة بنقيض المقصود.
ووجه الفساد : أنّ الزّمان والأحبّة إنّما يأتون بخلاف المراد في الواقع لا في الظّاهر والّذي طلبه الشّاعر مراد له في الظّاهر لا في الواقع.