ومعنى البيت : إنّي اليوم (١) أطيب (٢) نفسا بالبعد والفراق (٣) وأوطّنها (٤) على مقاساة الأحزان والأشواق وأتجرّع غصصها (٥) وأتحمّل لأجلها (٦)
______________________________________________________
الله عينك) بل الانتقال من جمود العين إلى السّرور يحتاج إلى وسائط خفيّة بأن ينتقل من جمود العين إلى انتفاء الدّمع منها ومن انتفاء الدّمع إلى انتفاء الحزن ومن انتفاء الحزن إلى السّرور ، لكن لمّا كانت هذه الوسائط خفيّة صار الكلام معقّدا.
(١) أتى بالألف واللّام للعهد الحضوري كي يكون إشارة إلى أنّ السّين في قوله «سأطلب» إنّما هي هنا لمجرّد التّأكيد وليست للاستقبال ، وذلك فإنّها وإن كانت موضوعة للاستقبال والتّأكيد معا إلّا أنّها جرّدت في المقام عن بعض معناها وتجريد الكلمة عن بعض معناها شائع في الاستعمال كما في قوله تعالى : (سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ)(١).
(٢) على وزن أبيع ، من طاب ، بقرينة تنكير «نفسا» على التّمييز لا من التّطييب ، من باب التّفعيل إذ لو كان بالتّشديد من باب التّفعيل لقال : أطّيّب نفسي كي يكون نفسي منصوبا على المفعوليّة لا على التّمييز.
(٣) أي بالبعد والفراق عن الأحبّة والأصدقاء.
(٤) أي أذلّل النفس وأعوّدها «على مقاساة الأحزان ...» أي على معالجة شدّة الأحزان والأشواق الّتي تلزم من بعد الأحبّة.
(٥) أي ابتلع غصص الأشواق ، وهي جمع غصّة ، كغرفة وغرف وفيه استعارة بالكناية حيث إنّه شبّه في نفسه الأشواق بمشروب مرّ في تأذّي النّفس منها ، ثمّ ترك أركان التّشبيه سوى المشبّه ، وأراد به معناه ، وأثبت له لازما من لوازم المشروب المرّ ، وهو التّجرّع من جرعة الماء ، فهذا التّشبيه المضمر في النّفس استعارة بالكناية ، وذاك الإثبات استعارة تخييليّة.
(٦) أي لأجل الأشواق أو لأجل راحة النّفس فالعلّة على الأوّل حصوليّة ، أي أتحمّل لأجل حصول الأشواق حزنا يفيض الدّموع من عيني ، وعلى الثّاني تحصيليّة ، أي أتحمّل لأجل تحصيل راحة النّفس حزنا ...
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٨١.