وأصاب (١) لك نّه (٢) أخطأ في جعل جمود العين كناية عمّا يوجبه دوام التّلاقي من الفرح والسّرور [فإنّ الانتقال (٣) من جمود العين إلى بخلها بالدّموع] حال إرادة البكاء وهي (٤) حالة الحزن على مفارقة الأحبّة [لا إلى ما قصده من السّرور (٥)] الحاصل بالملاقاة (٦).
______________________________________________________
(١) أي أصاب الشّاعر ـ وهو عبّاس بن الأحنف ـ في الكناية ، لأنّها عبارة عن ذكر اللّازم أعني السّكب ، وإرادة الملزوم أعني الحزن ، إذ يفهم الحزن من سكب الدّموع عرفا ، ولهذا يقال : (أبكاه الدّهر) كناية عن أحزنه ، أو يقال : (أضحكه) كناية عن (أسرّه) فأصاب الشّاعر في جعله سكب الدّموع كناية عن الحزن.
(٢) أي الشّاعر أخطأ في نظر البلغاء حيث إنّ ما صنعه مخالف لموارد استعمالهم ، وذلك لأنّ الجاري على استعمالهم إنّما هو الانتقال من جمود العين ، أي يبسها إلى بخلها بالدّموع وقت طلبها منها ، وهو وقت الحزن على مفارقة الأحبّة فهو الّذي يفهم من جمودها لا دوام الفرح والسّرور كما قصد الشّاعر.
وحاصل الكلام أنّ الشّاعر أخطأ في نظر البلغاء كما عرفت ، لا أنّه أخطأ بالنّظر إلى الواقع ونفس الأمر ، بأن يكون كلامه فاسدا.
ثمّ قوله «السرور» إن كان مصدرا لازما ، كما هو المتبادر من تقرير الصّحاح ، فالأمر ظاهر لوجود التّناسب بينه وبين الفرح ، لأنّ الفرح لازم. وإن كان السّرور متعدّيا ، كما هو المنقول عن كثير من كتب اللّغة أحتيج إلى جعله هنا مبنيّا للمجهول لأنّه المناسب للمقام حيث يكون لازما أيضا.
(٣) علّة لقوله «أخطأ» ، لأنّ الذّهن لا ينتقل من جمود العين إلى دوام تلاقي الأحبّة المستلزم للفرح والسّرور ، بل ينتقل إلى بخل العين بالدّموع حال إرادة البكاء المستلزم للحزن على مفارقة الأحبّة.
(٤) أي حال إرادة البكاء حالة الحزن ، أي حزن الإنسان على مفارقة الأحبّة.
(٥) أي لا ينتقل الذّهن من جمود العين إلى ما قصده الشّاعر من السّرور.
(٦) أي بملاقاة الأصدقاء ومواصلة الأحبّة ، ففي هذا الكلام تعقيد لما عرفت من عدم انتقال الذّهن من جمود العين إلى الفرح والسّرور. ولهذا لا يصحّ عندهم في الدّعاء للمخاطب أن يقال : (لا زالت عينك جامدة) لأنّه دعا عليه بالحزن ، ويصحّ أن يقال : (لا أبكى