جعل سكب الدّموع كناية عمّا يلزم فراق الأحبّة من الكآبة والحزن (١)
______________________________________________________
متعلّق ب «أطلب» ، «و» عاطفة ، «تسكب عيناي الدّموع» فعل وفاعل ومفعول «لتجمدا» اللّام حرف جرّ تجمدا فعل مضارع منصوب بتقدير أن ، والضّمير المستتر فيه جوازا فاعله ، والجملة مؤوّلة بالمصدر وهو مجرور باللّام متعلّق ب «تسكب» والجملة عطف على جملة «سأطلب».
والشّاهد فيه : اشتماله على التّعقيد المعنوي حيث إنّ الشّاعر قد جعل جمود العين كناية عن الفرح والسّرور ، وهذا على غير ما ينبغي ، فإنّ الذّهن ينتقل من جمود العين إلى الكآبة والحزن لا إلى الفرح والسّرور حيث إنّ جمود العين معناه العرفي يبس العين من الدّمع حال إرادة البكاء ، وهي حالة الكآبة والحزن لا حالة الفرح والسّرور.
نعم ، بعد التّأمّل والتّدقيق في أطراف البيت ينتقل الذّهن إلى الفرح بصعوبة لكثرة الوسائط وخفاء القرينة.
أمّا الأوّل : فلأنّ الذهن ينتقل من يبس العين من الدّمع حال إرادة البكاء إلى مطلق خلوّ العين من الدّمع على نحو انتقال الذّهن من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي ، ثمّ ينتقل منه إلى عدم انفعال القلب وعدم تأثّره من شيء يوجب الحزن كفراق الأحبّة ونحوه ، ثمّ ينتقل منه إلى انتفاء الحزن ، ثمّ ينتقل منه إلى الفرح والسّرور ، ففي المقام تتعدّد الوسائط.
وأمّا الثّاني : أي خفاء القرينة فلأنّ القرينة قوله : «لتقربوا» المتعلّق بقوله : «سأطلب» ، ومعلوم أنّ كونه قرينة على ما هو المقصود من قوله : «لتجمدا» ليس من الوضوح بمكان يلتفت الذّهن إليه بسرعة ، بل إنّما ينتقل إليه بعد التّأمّل والتّدقيق ، لأنّ شهرة استعمال الجمود في خلوّ العين من الدّمع حال إرادة البكاء تعارض هذه القرينة وتصادمها ابتداء بحيث لا يرجّح الذّهن جانب القرينة إلّا بعد تأمّل دقيق ، فالانتقال إلى المقصود يحصل بصعوبة كاملة وهذا معنى التّعقيد.
(١) المراد من الكآبة هو سوء الحال والانكسار النّاشئ من الحزن فعطف الحزن على الكآبة في قول الشّارح من قبيل عطف السّبب على المسبّب ، ثمّ قول الشّارح «جعل سكب الدّموع كناية ...» إشارة إلى أنّ مراد الشّاعر من سكب الدّموع ليس معناه الحقيقي ، بل المراد هو الإخبار بلازمه الّذي هو الكآبة والحزن فيكون كناية عن الشّيء الّذي يلزم فراق الأحبّة أعني : الكآبة والحزن.