والمعاني الدّقيقة الخفيّة ما لا يناسب الغبيّ (١) [ولكلّ كلمة مع صاحبتها (١)] أي مع كلمة أخرى مصاحبة لها [مقام (٣)] ليس لتلك الكلمة مع ما يشارك تلك المصاحبة في أصل المعنى (٤)
______________________________________________________
توضيح ذلك يتوقّف على مقدّمة وهي : أنّ للإنسان قوّة معدّة لاكتساب الآراء ، ثمّ هذه القوّة المسمّاة بالذّهن إمّا سريعة ، وإمّا بطيئة ، فسرعتها ذكاء ، وبطؤها بلادة ، وصاحب الأوّل ذكيّ ، وصاحب الثّاني بليد ، ثمّ إنّ السّريعة تارّة تكون لها جودة وحسن في تهيّئها لحصول ما يرد عليه من الغير ، وأخرى لا تكون لها ذلك ، فالأولى تسمّى فطانة وصاحبها فطنا ، والثّانية تسمّى غباوة وصاحبها غبيّا.
إذا عرفت هذه المقدّمة ، فالمقابل للغبيّ هو الفطن لا الذّكي إلّا أن يقال : إنّه أراد به الفطن واختاره لمناسبة لفظيّة بين الذّكي والغبيّ وليست هذه المناسبة بين الفطن والغبيّ ، فقد ذكر العام وأراد به الخاص بقرينة المقابلة رعاية للمناسبة اللّفظيّة.
(١) كلمة ما في قوله : «ما لا يناسب» فاعل لقوله «يناسبه» والمقصود واضح لا يحتاج إلى التّوضيح ، لأنّ الذّكي يخاطب بما لا يجوز أن يخاطب الغبيّ به ، فإنّ الذّكاوة حال يقتضي التّكلّم بالمجازات والكنايات والغباوة حال يقتضي التّكلّم بالحقائق فقط.
(٢) لا يقال : إنّه قد فهم من قول المصنّف «فمقام كلّ من التّنكير ...» أنّ لكلّ كلمة مع صاحبتها مقاما ، فهذا الكلام ليس إلّا تكرارا لما سبق ، والتّكرار من دون فائدة لغو ، فما الفائدة في هذا التّكرار؟ فإنّه يقال : إنّ قوله : «لكلّ كلمة مع صاحبتها مقاما» ليس تكرارا لما تقدّم ، لأنّ ما تقدّم منه بيان لما يفيد الخواصّ والمزايا لا بمجرّد الوضع ، وهذا الكلام بيان لما يفيدها بالوضع ، فلفظ «مع» في قوله «مع صاحبتها» متعلّق بمضاف محذوف والتّقدير (لوضع كلّ كلمة مع صاحبتها مقام).
(٣) يعني أنّ لكلّ كلمة كالفعل مثلا مع صاحبتها كإن الشّرطيّة مثلا مقام وهو الشّكّ والتّحيّر في وقوعه ، ليس هذا المقام لتلك الكلمة المصاحبة أعني الفعل مع كلمة أخرى كإذا ، حيث إنّ مقامها الجزم بالوقوع لا الشّكّ ، وإن كانت تشارك إن في أصل المعنى وهو التّعليق.
(٤) أي لا في جميعه ليخرج المترادفين المتشاركين في جميع خصوصيّات المعنى كما