[إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد (١)] وإلّا (٢) لربّما أدّى المعنى المراد بلفظ فصيح غير مطابق لمقتضى الحال فلا يكون بليغا [وإلى تمييز] الكلام [الفصيح من غيره (٣)] وإلّا (٤) لربّما أورد الكلام المطابق لمقتضى الحال بلفظ غير فصيح فلا يكون أيضا بليغا لوجوب وجود الفصاحة في البلاغة. ويدخل (٥) في تمييز
______________________________________________________
عرفا لو لم يكن مستحيلا عقلا بمقتضى ما هو المعروف من أنّ فاقد الشّيء لا يعطيه ، أي لا يمكن أن يكون معطيا لذلك الشّيء.
والحاصل : إنّ المرجع هنا بمعنى ما يتوقّف عليه البلاغة ولو كان ذلك من باب توقّف المسبّب على السّبب ، كتوقّف الجود على الغنى في قولهم : (مرجع الجود إلى الغنى).
(١) المراد من «المعنى المراد» هي الأغراض الّتي يصاغ لها الكلام.
فالمتحصّل من الجميع : أنّ البلاغة مرجعها إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد ، ولا يدخل فيه الاحتراز عن التّعقيد المعنوي حتّى يقال : لا يصحّ حينئذ قوله الآتي أعني «وما يحترز به عن التّعقيد المعنوي علم البيان» لأنّ الخطأ حينئذ إنّما هو في كيفيّة التّأدية ، فالاحتراز عن التّعقيد المعنوي احتراز عن الخطأ في كيفيّة التّأدية لا في نفس التّأدية.
نعم ، الاحتراز عن الخطأ في نفس التّأدية إنّما هو بعلم المعاني ، كما يأتي في قوله : «وما يحترز به عن الأوّل علم المعاني» والمراد من الأوّل هو الخطأ في تأدية المعنى المراد.
(٢) أي وإن لم يكن مرجع البلاغة إلى الاحتراز المذكور بأن انتفى وأدّى الكلام اتّفاقيّا كيفما حصل لجاز أن لا يكون الكلام مطابقا لمقتضى الحال فتنتفي البلاغة فلا يكون بليغا ، وهذا خلف إذ قد فرضناه بليغا.
(٣) حاصل الكلام : إنّ البلاغة مرجعها إلى الاحتراز المذكور وإلى تمييز الكلام الفصيح من غيره إذ لو لم يميّز الفصيح عن غيره لجاز أن يأتي المتكلّم بكلام غير فصيح ، فلا يكون بليغا أيضا ، وذلك لتوقّف البلاغة على الفصاحة.
(٤) أي وإن لم يحصل التّمييز أمكن أن يؤتى بكلام غير فصيح فتنتفي البلاغة أيضا لتوقّفها على الفصاحة ، كما أشار إليه بقوله : «لوجوب وجود الفصاحة في البلاغة» لأنّ البلاغة عبارة عن المطابقة مع الفصاحة ، فتقوّمها على الفصاحة يقتضي أنّ مرجعها إلى التّمييز ، كما أنّ تقوّمها على المطابقة يقتضي أنّ مرجعها إلى الاحتراز.
(٥) جواب عن سؤال مقدّر ، تقديره : إنّ ما ذكره المصنّف ـ بناء على كون المراد من