وأمّا الأخذ (١) والانتهاب فأمر يرتاح له اللّبيب ، فللأرض من كأس الكرام نصيب (٢) ، وكيف ينهر عن الأنهار السّائلون (٣) ولمثل (٤) هذا فليعمل العاملون ، ثمّ ما زادتهم (٥) مدافعتي (٦)
______________________________________________________
والمعنى وسارت وذهبت المدارس متلبّسة بأعناق العلماء الشّبيهين بالمطايا الحاملين لأسرار هذا الفنّ والغرض من هذا الكلام هو الإخبار بأنّ أسرار هذا الفنّ وعلماءه قد ذهبوا بل ذهبت مواضعهم فاضمحلّ هذا الفنّ.
(١) يمكن أن يكون جوابا لسؤال مقدّر والتّقدير أنّ ما ذكر من عدم الفائدة على التّأليف في هذا الفنّ لأجل كونه محلّ جدال وخلاف ليس صحيحا على الإطلاق ، بل يكفي في تأليف هذا الفنّ واختصاره أخذ الغير من كلام المؤلّف ، فأجاب عن هذا السّؤال بقوله : «وأمّا الأخذ ...» والمعنى يرتاح اللّبيب أي كامل العقل إذا أخذ الغير من كلامه ، لما فيه من الرّفعة والثّواب ولا يرضى بالأخذ من كلام الغير ، فالأخذ وإن كان داعيا إلى التّأليف والاختصار إلّا أنّ الدّاعي الكامل هو ترتّب الفائدة.
(٢) هذا مصراع من البيتين لبعض الشّعراء. والبيتان هما :
شربنا شرابا طيّبا عند طيّب |
|
كذاك شراب الطّيّبين يطيب |
شربنا وأهرقنا على الأرض جرعة |
|
وللأرض من كأس الكرام نصيب |
فالشّارح قد شبّه نفسه بالكرام والمطوّل بالكأس والمنتحلين بالأرض فقوله : (وللأرض) خبر مقدّم ونصيب مبتدأ مؤخّر.
(٣) أي لا يزجر ولا يطرد ولا يمنع «عن الأنهار السّائلون» أي الطّالبون ، لأنّ كيف استفهام إنكاري بمعنى النّفي وقد شبّه المطوّل بالأنهار ، والمنتحلين بالسّائلين.
(٤) متعلّق بقوله : «فليعمل» ثمّ قوله : «فليعمل» اقتباس من القرآن الحكيم والمشار إليه في قوله : «ولمثل هذا» هو النّيل إلى الثّواب. والمعنى ولمثل النّيل إلى الثّواب يعمل العاملون ، لا للحظوظ النّفسانية وفيه إشارة إلى أنّ اختصار المطوّل إنّما هو للثّواب الأخروي.
(٥) أي هؤلاء الجمع الكثير.
(٦) المقصود من «مدافعتي» هو الدّفاع عن إجابة الجمع الكثير والشّغف بمعنى العشق والحبّ الشّديد ، والغرام بمعنى شدّة الحرص ، والظّمأ بمعنى العطش والهواجر جمع الهاجرة وهي نصف النّهار عند اشتداد الحرّ والأوام بمعنى شدّة العطش وحرارته.