الاعتقاد وقد اقتصر (١) في التّفسيرين السّابقين على أحدهما (٢) [بدليل (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ)(١)] (٣) لأنّ الكفّار (٤) حصروا إخبار النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحشر (٥) والنّشر (٦)
______________________________________________________
الاعتقاد ، وذلك لتوافق الواقع والاعتقاد حينئذ ، وعدم المطابقة لأحد المتوافقين يستلزم عدم مطابقة الآخر.
(١) قوله : «وقد اقتصر» إمّا عطف على «اعتبر» أو حال عن مفعوله.
(٢) أي على اعتبار مطابقة الواقع عند الجمهور أو الاعتقاد عند النّظام.
(٣) أي استدلّ الجاحظ بدليل قوله تعالى : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ، أَفْتَرى) كان أصله (أافترى) وكانت الهمزة الأولى استفهاميّة والثّانيّة للوصل ، فحذفت الثّانيّة للاستغناء عنها بهمزة الاستفهام ، ولم يعكس الأمر ، لأنّ الأولى علامة ، والعلامة لا تتغيّر.
(٤) علّة لكون قوله تعالى دليلا على ما ادّعاه الجاحظ من ثبوت الواسطة ، وتقريب الاستدلال بالآية على الواسطة : إنّ الكفّار حصروا إخبار النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحشر والنّشر في الافتراء والإخبار حال الجنّة على سبيل منع الخلوّ ، فيكون الإخبار حال الجنّة مغايرا للكذب لا محالة ، لأنّه قسيمه وهو غير الصّدق أيضا ، لأنّ الكفّار لا يعتقدون أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم صادق ، بل اعتقدوا عدم صدقه ، فحينئذ يكون الإخبار حال الجنّة واسطة بين الصّدق والكذب ، وهو ما قال به الجاحظ.
(٥) الحشر : هو سوق الخلق للحساب يوم القيامة.
(٦) هو الإحياء بعد الموت ، وتقييد إخبار النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحشر والنّشر إنّما هو لبيان الواقع لا لتوقّف الاستدلال عليه ، حيث إنّهم لمّا استبعدوا الحشر والنّشر حصروا إخبار النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بهما على الافتراء والإخبار حال الجنّة ، والدّليل على ذلك قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ٧ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ)(٢) فإنّ هذه الآية الكريمة ناطقة على أنّهم لمّا استبعدوا إخبار النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحشر والنّشر حصروا إخباره صلىاللهعليهوآلهوسلم بهما على الأمرين المذكورين.
__________________
(١) سورة السّبأ : ٨.
(٢) سورة السّبأ : ٨.