وإلّا (١) فالجملة الخبريّة كثيرا ما تورد لأغراض أخر غير إفادة الحكم أو لازمه مثل التّحسّر (٢) والتحزّن في قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى)(١)
______________________________________________________
للمخاطب الحكم ، أو كونه عالما به إذ يرد عليه قول أمّ مريم : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) إذ ليس قصدها إعلام الله سبحانه بفائدته أو لازمها ، لأنّ الله تعالى عالم بأنّها وضعتها أنثى ، وعالم بأنّها تعلم بأنّه سبحانه عالم بأنّها وضعتها أنثى ، فلا وجه لأن يكون المقصود الفائدة أو لازمها ، فحينئذ لا يصحّ الحصر.
والجواب : إنّ المخبر على قسمين :
الأوّل : العرفيّ ، بأن يتلفّظ بالجملة الخبريّة بقصد الحكاية عن الخارج أو أمر آخر.
الثّاني : المخبر بالمعنى اللّغوي ، أي المعلّم ، ثمّ المراد بالمخبر هنا هو المعنى اللّغوي ، أي من كان بصدد الإخبار والإعلام لا من يتلفّظ بالجملة الخبريّة ، ثمّ إخبار من يكون بصدد الإخبار والإعلام ينحصر في القسمين المذكورين.
(١) أي وإن لم يكن المراد بالمخبر من يكون بصدد الإخبار ، بل كان من يتكلّم بالجملة الخبريّة ، كما هو ظاهر كلام المصنّف ، لم يستقمّ الحصر المذكور ، لانتقاضه بقول أمّ مريم في الآية المذكورة.
(٢) قيل : التحسّر هي النّدامة الطّويلة والتّحزّن أعمّ منه ومن غيره ، والجامع بينهما هو إظهار الضّعف كما في قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) حيث أظهرت حزنها بعدم حصول مقصدها وخيبة رجائها بعد ما لم تضع ما في بطنها ذكرا فيتحرّر لخدمة بيت المقدس ، ويكون من خدمته ، إذ لا يصلح لذلك إلّا الذّكر ، فإنّ اللّفظ مستعمل لغرض آخر مجازا ، لأنّ وضع المركّب الخبريّ إنّما هو للإخبار والإعلام بالحكم أو لازمه ، ولم يكن المقصود في الآية إفادة الحكم أو لازمه ، فإنّ المخاطب سبحانه وتعالى عالم بكلّ منهما ، بل إظهار التحسّر والتحزّن على خيبة رجائها ، لأنّها كانت ترجو أن تلد ذكرا.
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣٦.