وبيانه (١) : أنّ معنى (لا رَيْبَ فِيهِ) ليس القرآن بمظنّة للرّيب ، ولا ينبغي أن يرتاب فيه ، وهذا الحكم ممّا ينكره كثير من المخاطبين ، لكن نزّل إنكارهم منزلة عدمه لما معهم من الدّلائل الدّالّة على أنّه ليس ممّا ينبغي أن يرتاب فيه والأحسن أن يقال : إنّه (٢)
______________________________________________________
الجنس ، فإنّها للتّأكيد ، وكذلك باسميّة الجملة ، كما صرّحوا بذلك.
فإنّه يقال : بأنّ لا النّافية لتأكيد المحكوم عليه ، لأنّها تفيد استغراق النّفي الرّاجع إلى المحكوم عليه بمعنى أنّه لا يخرج شيء من أفراده ، ولا كلام فيه ، وإنّما الكلام في تأكيد الحكم ، وهي لا تفيد ذلك ، وأمّا اسميّة الجملة فليست للتّأكيد مطلقا ، بل إذا اعتبرت مؤكّدا.
(١) أي بيان كونه مثالا لجعل المنكر كغير المنكر ، وفيه إشارة إلى دفع إيراد يرد ههنا.
وحاصل الإيراد : إنّ هذا الحكم أعني نفي الرّيب بالكلّيّة ، ممّا لا يصلح أن يحكم به وذلك لكثرة المرتابين فضلا عن أن يؤكّد. وحاصل الدّفع : إنّ المراد من نفي الرّيب ليس أنّ أحدا لا يرتاب فيه ، بل المراد أنّ القرآن ليس بمظنّة للريب ، ولا ينبغي أن يرتاب فيه ، وهذا مطابق للواقع ، وينكره كثير من المخاطبين ، فكان مقتضى الظّاهر أن يؤكّد لكن نزّل إنكارهم منزلة عدمه ، لما معهم من الدّلائل الّتي لو تأمّلوها ارتدعوا عن الإنكار ، فلذلك ألقي الكلام مجرّدا ، فيكون مثالا لإتيان الكلام على خلاف مقتضى الظّاهر.
(٢) أي (لا رَيْبَ فِيهِ) نظير لجعل المنكر كغير المنكر ، وليس مثالا له. وحاصل الفرق بينهما ، هناك فرقان : الأوّل : إنّ المنفيّ في الأوّل ليس نفي الرّيب ، بل كون القرآن محلّا للرّيب ومظنّة له خطابا لمنكري ذلك ، وأنّ المنفيّ في الثّاني هو نفس الرّيب على سبيل الاستغراق من غير مخاطبة به.
الثّاني : إنّ المثال يجب أن يكون جزء من أفراد الكلّي ، ولا يجب ذلك في التّنظير.
وكونه نظيرا أحسن من كونه مثالا لوجهين : الأوّل : إنّ جعله مثالا يحتاج إلى التّأويل بخلاف التّنظير ، حيث إنّه لا يحتاج إلى التّأويل.
الثّاني : قول المصنّف فيما بعد ، حيث قال : «وهكذا اعتبارات النّفي» فإنّه مشعر بأنّ ما تقدّم متمحّض في الإثبات ، وكان من أمثلة اعتبارات الإثبات فقط ، فحينئذ لو كان (لا رَيْبَ فِيهِ) مثالا لكان من أمثلة النّفي ، وكان الأنسب تأخيره عن قوله : «وهكذا اعتبارات النّفي».