سواء (١) تعلّق بالنّعمة أو بغيرها والشّكر فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما (٢) سواء كان باللّسان أو بالجنان (٣) أو بالأركان (٤)
______________________________________________________
وإن كان متضمّنا للقيد باللّسان لمكان أنّ الذّكر لا يتحقّق إلّا باللّسان ، إلّا أنّه قد استعمل مجازا فيما لم يصدر من لسان لرعاية المشاكلة. فعليه قولهم : باللّسان دفع لتوهّم إرادة المجاز وهذا المقدار من الفائدة يكفي في إخراجه عن اللّغويّة.
وكيف كان فيمكن أن يقال إنّ تعريف الحمد بالثّناء باللّسان غير جامع لأنّه لا يشمل حمد الله تعالى لأنّه ليس باللّسان. إلّا أن يقال بأنّ المراد من الحمد هو حمد المخلوقين فقط.
(١) اسم مصدر بمعنى الاستواء مبتدأ. و «تعلّق» وما بعده في موضع رفع خبر. مثال تعلّق الحمد بالنّعمة كقوله تعالى : حكاية عن إبراهيم الخليل (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ)(١) ومثال تعلّق الحمد بغير النّعمة نحو (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ)(٢).
(٢) قوله : «لكونه منعما» دفع لتوهّم أن يكون التّعظيم لحسن المنعم لا لإنعامه بأن تكون له فضائل كثيرة غير الإنعام. ومعنى الشّكر باللّسان بأن يذكر ألفاظا دالّة على اتّصاف المنعم بصفات الكمال.
(٣) قوله : «بالجنان» بمعنى الاعتقاد ، فالشّكر عبارة عن المحبّة بالقلب.
(٤) بأن يكرّر ويأتي بأفعال دالّة على كون المنعم مستحقّا للإطاعة.
إن قلت : لماذا عرّف الشّكر وبيّن النّسبة بينه وبين الحمد مع أنّه غير مذكور في الكتاب إذ الموجود فيه «الحمد لله على ما أنعم»؟
قلت : لأنّ الشّكر لمّا كان قريبا من الحمد لدرجة ربّما يتخيّل أنّهما أمر واحد فعرّفه وبيّن النّسبة بينه وبين الحمد دفعا لهذا التّخيّل.
نعم ، كان على الشّارح أن يعرّف المدح أيضا لأنّه قريب من الحمد فتوهّم كونهما أمرا واحدا ولعلّ عدم تعرّضه له كان من جهة التزامه بما أفاده صاحب الكشّاف وغيره من اتّحاده مع الحمد.
__________________
(١) سورة إبراهيم : ٣٩.
(٢) سورة الإسراء : ١١١.