المحقّين والمبطلين أنّه يجوز قيامه به لأنّ العقل إذا خلّي ونفسه يعدّه محالا (١) [كقولك : محبّتك جاءت بيّ إليك (٢)] لظهور استحالة قيام المجيء بالمحبّة [أو عادة] أي من جهة العادة (٣) [نحو : هزم الأمير الجند (٤)] لاستحالة قيام انهزام الجند بالأمير وحده عادة وإن كان ممكنا عقلا ، وإنّما قال (٥) : قيامه به ، ليعمّ الصّدور عنه مثل
______________________________________________________
(١) قوله : «لأنّ العقل» تعليل لما يستفاد من قوله : «يعني أن يكون ...» ، وحاصل التّعليل أنّه إذا كان بهذه الحيثيّة يقال له : إنّه مستحيل استحالة عقليّة ، لأنّ العقل يعدّ القيام محالا ، ثمّ المراد من المبطلين الدّهريين ، هذا على تقدير أن تكون النّسخة «لأنّ العقل».
وأمّا على تقدير أن تكون (لا أنّ العقل) فحاصل الجواب حينئذ إنّ المراد بالاستحالة الاستحالة الضّروريّة ، وهي الّتي يحكم العقل به على كلّ حال ، وإن كان مكتنفا بمنازعة الأوهام لا الاستحالة النّظريّة الّتي يحكم بها العقل لو خلّي وطبعه بأن لا ينازعه الأوهام ، ومعها يسكت عن الحكم والاستحالة في قول الدّهري من القسم الثّاني.
(٢) كان أصله نفسي جاءت بيّ إليك لأجل محبّتك ، إلّا أنّ المحبّة لمّا كانت مشابهة للنّفس من حيث تعلّق المجيء بكلّ منهما أسند إليهما ، والقرينة استحالة قيام المجيء بالمحبّة بحيث لا يمكن لأحد أن يدّعي قيامه بها.
ثمّ إنّ ثبوت الاستحالة في المثال مبنيّ على مذهب المبرّد ، بأنّ باء التّعدّية تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول به حصول الفعل ، فمعنى (ذهبت بزيد) صاحبت زيدا في الذّهاب ، وأمّا على ما ذهب إليه سيبويه من أنّ باء التّعدّية بمعنى همزة النّقل ، وأنّ معنى (ذهبت بزيد) أذهبت زيدا ، فلا استحالة في المثال ، لأنّ المحبّة تورث المجيء ، وتوجبه ولا شكّ في صحّة أن يقال بلا تأويل : محبّتك أبعثني على المجيء إليك.
(٣) التّفسير المذكور إشارة إلى كون قوله : «عادة» تمييزا كقوله : «عقلا».
(٤) فإنّ قيام هزم الجند بالأمير وحده مستحيل عادة وإن أمكن عقلا.
(٥) أي المصنّف ، هذا حكاية لكلام المصنّف بالمعنى ، لأنّ المصنّف لم يقل ذلك ، بل قال : قيام المسند بالمذكور ، أي إنّما قال كاستحالة قيام المسند بالمذكور ، ولم يقل : كاستحالة صدور المسند عن المذكور ليعمّ الصّدور عن المسند إليه.