ولم يتعرّض للمنعم به (١) إيهاما (٢) لقصور العبارة عن الإحاطة به ولئلّا يتوهّم اختصاصه بشيء
______________________________________________________
التّقدير رغبت فيه ، فيكون مفاد الكلام تعلّق ميله به مع أنّ مفاده في الواقع تعلّق إعراضه به.
فإن قلت : لماذا لم يقل الحمد للمنعم مع أنّه أخصر من قوله : «الحمد لله على ما أنعم».
قلت : إنّ الحمد للمنعم وإن كان أخصر لفظا إلّا أنّ قوله : «الحمد لله على ما أنعم» أشمل معنى ، لأنّ التّعليق بالذّات في الحقيقة تعليق بجميع الصّفات لأنّ الذّات متّصفة بجميع صفات الكمال.
(١) أي بجميع أنحائه ولم يقل الحمد لله على العلم والشّجاعة والسّخاوة والعدالة وغيرها من النّعم.
(٢) مفعول له لقوله : «لم يتعرّض» بمعنى ترك التعرّض لأحد أمرين :
أحدهما : لأجل إيهام قصور العبارة عن الإحاطة بالمنعم به ، كما نطق به الكتاب العزيز : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها)(١)
وثانيهما : لئلّا يتوهّم اختصاص المنعم به بشيء دون شيء ، وتوضيح ذلك أنّ ذكر المنعم به لا يخلو عن أحد أمرين :
الأوّل : ذكر الكلّ. والثّاني : ذكر البعض.
أمّا الأوّل ، فغير ممكن أو متعذّر. أمّا الثّاني ، مستلزم لتوهّم اختصاصه بشيء دون شيء آخر. فلذا لم يتعرّض للمنعم به أصلا فقوله : «لئلّا يتوهّم ...» علّة لعدم التعرّض بالقياس إلى البعض فحاصل معنى العبارة أنّه لو تعرّض لبعض المنعم به إجمالا أو تفصيلا دون بعضه الآخر ، لتوهّم اختصاص الحمد ببعض وعدم استحقاقه تعالى الحمد ببعض آخر. فلم يتعرّض لبعض المنعم به تحرزا عن هذا التوهّم.
فإن قلت : إنّ ما ذكره الشّارح من عدم تعرّض المصنّف رحمهالله للمنعم به أصلا أي لا كلّا ولا بعضا لا معنى له بل المصنّف قد تعرّض للمنعم به جميعا أو بعضا.
أما الأوّل ، فلأنّه قد تعرّض لجميع المنعم به بقوله : «على ما أنعم» أي على أنعامه
__________________
(١) سورة إبراهيم : ٣٤.