[على ما أنعم] أي على إنعامه (١)
______________________________________________________
قلت : إنّ المقام في هذه الآيات ليس مقام الحمد ، لأنّها مسوقة لبيان استحقاقه تعالى للحمد واختصاصه به ، لكونه مستجمعا لجميع صفات الكمال ، فعليه مقتضى المقام في تلك الآيات تقديم الظّرف وتأخير الحمد ليفيد تأكيد الاختصاص المسوق له الكلام.
(١) قوله : «أي على إنعامه» إشارة إلى أنّ «ما» في قوله : «على ما أنعم» مصدريّة لا موصولة ولا موصوفة ، فيقع الكلام تارة فيما يتعلّق به كلمة «على» وأخرى في وجه جعل «ما» مصدريّة دون موصولة أو موصوفة.
فنقول : إنّ كلمة «على» متعلّقة بمحذوف وهو خبر بعد خبر ولا تكون متعلّقة بالحمد ، لأنّه مستلزم للإخبار عن المصدر قبل تمام عمله وهذا ممّا لم يجوّزه المحقّقون. والمعنى حينئذ : الحمد ثابت لله وثابت على إنعامه فالكلام يدلّ على استحقاقه تعالى الحمد على ذاته وصفاته معا. من دون كونه موهما لاختصاص الحمد بصفة الإنعام.
وأما وجه جعل «ما» مصدريّة دون موصولة أو موصوفة ، فلأنّ المصدريّة لا تحتاج إلى عائد فلا تفتقر إلى التّقدير ، أي ما أنعم به ، بخلاف الموصولة أو الموصوفة حيث يجب حينئذ تقدير الضّمير الرّابط.
ثمّ التّقدير وإن كان ممكنا في المعطوف عليه أعني : أنعم ، فيقال : أنعم به. إلّا أنّه متعذّر في المعطوف أعني : «علّم» لكون «ما لم نعلم» مفعوله إلّا أن يقال : إنّه يكفي في صحّة العطف على الصّلة كون الجملة الأولى ذات ضمير فقط إذا كان بين الجملتين اتّصال وارتباط بحسب المعنى كما صرّح به ابن هشام والرّضي ، ولا شكّ أنّ المقام من هذا القبيل حيث إنّ قوله : «علّم» بمنزلة عطف بيان لقوله : «أنعم به» فيكون بينهما كمال الارتباط والملائمة فلا حاجة إلى تقدير الضّمير في الثّانية ليقال بعدم إمكانه وتعذّره ، فالإنصاف إنّ إثبات التعذّر دونه خرط القتاد.
نعم يمكن أن يقال بأن جعل «ما» موصولة وإن لم يكن فاسدا إلّا أنّه مرجوح ، لأنّ أئمّة الأدب قد اختلفوا في جواز حذف الضّمير المجرور العائد إلى الموصول فمنع جماعة ـ منهم الإمام المرزوقي ـ جواز الحذف مطلقا بدعوى أنّه موجب للالتباس في بعض الموارد ، كما في قولك : جاءني الّذي رغبت عنه ، فإنّه يحتمل عند الحذف أن يكون