وتقديم الحمد (١) باعتبار أنّه أهمّ نظرا إلى كون المقام مقام الحمد كما ذهب إليه صاحب الكشّاف في تقديم الفعل في قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) على ما سيجيء بيانه (٢) وإن كان ذكر الله أهمّ (٣) نظرا إلى ذاته ،
______________________________________________________
مصدره عليه ، فصار الله حمدا بعد ما كان حمدت الله حمدا ، ثمّ أدخلت لام الجرّ على المفعول للتّقوية ، فصار لله حمدا ، ثمّ أدخلت أل على الحمد لإفادة الاستغراق أو تعريف الجنس أو العهد ، فصار لله الحمد. إلّا أنها جعلت اسميّة ، للدّلالة على الثّبات والدّوام ثمّ قدّم الحمد فصار الحمد لله.
(١) جواب عن سؤال مقدّر ، وتقريب السّؤال أنّ الذّات تتقدّم على الوصف حقيقة فيجب أن تتقدّم في الكلام أيضا.
وملخّص الجواب أنّ الذّات وهي لله وإن كان حقّها التّقديم على الوصف حقيقة وهو الحمد إلّا أنّ المقام هو مقام الحمد ، فصار الحمد أهمّ عرضا ولذا قدّم على الذّات لمكان الأهميّة المقاميّة. أو يقال إنّ تقديم الحمد لإفادة الحصر والاختصاص ، فإنّ المعروف بينهم أنّ تقديم ما حقّه التّأخير يفيد الحصر والاختصاص. وقيل إنّ الأصل في الحمد التّقديم لكونه مبتدأ.
(٢) أي سيأتي كلامه في بحث تقديم المفعول.
وحاصل ما ذهب إليه صاحب الكشّاف أنّ الاهتمام بذكر الله باسمه ، وإن كان أمرا ذاتيّا والاهتمام بالقراءة أمرا عرضيّا ، إلّا أنّ تقديم الاهتمام العرضي على الاهتمام الذّاتي إنّما هو لاقتضاء المقام فكان الأمر بالقراءة أهمّ باعتبار هذا العارض وإن كان ذكر الله أهمّ في نفسه.
(٣) حاصل كلام الشّارح في المقام أنه إذا دار الأمر بين الأهمّ الذّاتي والأهمّ العرضي الّذي يقتضيه المقام كان الأهمّ العرضي أولى بالرّعاية من الأهمّ الذّاتي.
فإن قلت : إنّ ما ذكر من أنّ كون المقام مقام الحمد يقتضي الاهتمام به يشكل بقوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ) وقوله تعالى : (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وقوله تعالى : (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) فإنّ اسم الله في هذه الآيات قدّم على الحمد مع أنّ المقام مقامه.