قوله : «علّم» تذكير ما نسي تجوّزا. لا تعليم ما لم نعلم ، كي يقال إنّ ذكر التّعليم يستغني عن ذكر ما لم نعلم. وكلا الجوابين لا يرجع إلى محصّل صحيح ، أما الأوّل فلوجوه :
الأوّل : أنّه وإن لم يكن شكّ في أنّ غير المعلوم على قسمين منه ما هو صعب المأخذ كالأمور النّظريّة المحتاجة إلى الاستدلال والبرهان ومنه ما هو سهل المأخذ كالفلاحة والتّجارة وغيرهما إلّا أنّا لا نسلّم أنّ اللّازم للتّعليم هو القسم الثّاني دون الأوّل ، لأنّ الذّهن ينتقل من علم إلى تعليم طبيعي «ما لم نعلم» لا إلى القسم الثّاني فقط إذ لم يثبت من العرف ملازمة بين التّعليم وخصوص القسم الثّاني من غير المعلوم فدعوى أن اللّازم لقوله : «علّم» هو القسم الثّاني دون الأوّل لا يساعدها عقل ولا نقل.
الثّاني : أنّ ما تقدّم من أنه لو حذف «ما لم نعلم» لتوهّم أن ذلك العلم أمر سهل المأخذ ينال بالاجتهاد والقوى البشريّة وحينئذ فالتّصريح بقوله : «ما لم نعلم» لدفع ذلك التوهّم ، ممّا لا وجه له وذلك فإنّ نسبة عنوان «ما لم نعلم» إلى كلّ من القسمين المتقدّمين على حدّ سواء فكيف يمكن الالتزام بأنّ التّصريح به لدفع أنّ ذلك العلم أمر سهل المأخذ.
الثّالث : أنّ ذكر لفظة البيان وحدها كاف لدفع التوهّم لأنّه ممّا لا ينال إلّا بالقوّة والاجتهاد عرفا ، فلو قال : علمنا البيان ، لكفى في دفع هذا التوهّم من دون حاجة إلى التّصريح ب «ما لم نعلم» فتحصّل ممّا ذكر أنّ الجواب الأوّل لا أساس له.
ومن هنا يظهر ضعف الجواب الثّاني ، وجه الضّعف أنّ احتمال كون المراد بالتّعليم تذكير ما نسي تجوّزا إنّما يرتفع بذكر لفظ لم يكن فيه احتمال هذا التّجوّز أصلا. وقوله : «ما لم نعلم» ليس كذلك ، لاحتمال التّجوزّ فيه ، إذ كما يحتمل أن يكون «علّم» بمعنى ذكر كذلك يحتمل أن يكون ما لم نعلم بمعنى ما لم نتذكّر فمع وجود احتمال التّجوّز في كل منهما على حدّ سواء ، كيف يمكن الالتزام بأنّ التّصريح ب «ما لم نعلم» لدفع توهّم التّجوّز؟!!
فالصّحيح أن يعلّل التّصريح ب «ما لم نعلم» برعاية السّجع ، إذ لو تركه وقال : وعلّمنا البيان ، لفات السّجع ، وحصل منه انقطاع نظم الكلام على نحو لم يرتضيه الطّبع. فكما أنّ تقديم «من البيان» على «ما لم نعلم» لرعاية السّجع ، كذلك ذكر «ما لم نعلم» بعد قوله : «علّم» لرعاية السّجع.