واقتصر (١) المصنّف على مثال التّقوّي ليفرع عليه التّفرقة بينه وبين تأكيد المسند إليه ، كما أشار إليه بقوله : [«وكذا من لا تكذب أنت»] يعني أنّه أشدّ لنفي الكذب من لا تكذب أنت مع أنّ فيه (٢) تأكيدا [لأنّه] أي لأنّ لفظ أنت ، أو لأنّ لفظ لا تكذب أنت [لتأكيد المحكوم عليه] بأنّه ضمير المخاطب تحقيقا ، وليس الإسناد إليه على سبيل السّهو أو التّجوّز أو النّسيان (٣) [لا] لتأكيد [الحكم] لعدم تكرار الإسناد (٤) ، وهذا الّذي ذكر من أنّ التّقديم للتّخصيص تارة ، وللتّقوّي أخرى إذا بنى (٥) الفعل على معرّف [وإن بني
______________________________________________________
(١) جواب عن سؤال مقدّر : وهو أنّ المصنّف ذكر مثالين ، أي مثال التّخصيص ، نحو : أنا ما سعيت في حاجتك ، ومثال التّقوّي نحو : هو يعطي الجزيل ، في الفعل المثبت ، واقتصر في الفعل المنفيّ بمثال التّقوّي ، ولم يذكر مثال التّخصيص مع أنّ مقتضى القياس ذكرهما أو تركهما.
وحاصل الجواب : إنّ المصنّف اقتصر في الفعل المنفي على مثال التّقوّي «ليفرّع عليه» أي على مثال التّقوّي «التّفرقة بينه» أي بين التّقوّي في «أنت لا تكذب» ، «وبين تأكيد المسند إليه» والفرق بينهما أنّ نحو : أنت لا تكذب ، أشدّ لنفي الكذب من لا تكذب أنت ، والأوّل للتّقوّي ، والثّاني لتأكيد المسند إليه.
(٢) أي في لا تكذب أنت تأكيدا للمسند إليه ، ولذا ذكره بلفظ كذا. وقد يقال : إنّ التّفريع المذكور يتحقّق مع ذكر مثال للتّخصيص أيضا بأنّ يذكر مثال التّخصيص ، ثمّ مثال التّقوّي ، ثمّ يفرع عليه ذلك إلّا أن يقال : إنّه قصد الاقتصار على أحد المثالين اختصارا ، فلمّا دار الأمر بين أحدهما اقتصر على مثال التّقوّي ليفرّع عليه ، فالمعنى اقتصر المصنّف على مثال التّقوّي ولم يذكرهما جميعا اختصارا «ليفرّع عليه التّفرقة».
(٣) أي إنّ ذكر أنت في «لا تكذب أنت» يدلّ على أنّ نسبة عدم الكذب إلى المخاطب ليست بالسّهو والمجاز ، لا على أنّ الكذب عنه منتف البتّة.
(٤) والفرق بين تأكيد الحكم وتأكيد المحكوم عليه أنّ تأكيد الحكم المفيد للتّقوّي أن يكون الإسناد مكرّرا ، بخلاف تأكيد المحكوم عليه فإنّ الإسناد فيه واحد وفائدته دفع توهّم تجوّز أو غلط أو نسيان.
(٥) إشارة إلى تعيين ما عطف عليه قوله الآتي أعني «وإن بني الفعل على منكّر»