إذ المنيّة أنشبت أظفارها |
|
ألفيت كلّ تميمة لا تنفع |
شبّه الشّاعر في نفسه المنيّة بالسّبع في اغتيال النّفوس بالقهر والغلبة فسكت عن ذكر الأركان سوى المنيّة الّتي هي المشبّه ، وأثبت لها الأظفار الّتي لا يكمل ذلك الاغتيال في المشبّه به وهو السّبع إلّا بها ، فتشبيه المنيّة في النّفس بالسّبع استعارة بالكناية ، وإثبات الأظفار لها استعارة تخييليّة.
الثّاني : ما يستفاد من كلام القدماء ، وهو أنّ الاستعارة بالكناية عبارة عن أن يراد من لفظ المشبّه به المشبّه بادّعاء أنّ المشبّه داخل في جنس المشبّه به لكن لا يذكر لفظ المشبّه به ، بل يشار إليه بذكر لازمه ورديفه الثّابت للفظ المشبّه ، فإرادة المشبّه من لفظ المشبّه به المرموز إليه بذكر اللّازم استعارة بالكناية ، أمّا الاستعارة فلأنّه قد استعير لفظ المشبّه به في النّفس للمشبّه ، وأمّا الكناية فلأنّه لم يصرّح به بل إنّما أومي إليه بلازمه ، وإثبات لازم المشبّه به للمشبّه المصرّح به تخييليّة ، فلا اختلاف بين المصنّف والقدماء في الاستعارة التّخييليّة ، بل إنّما الاختلاف بينهما في الاستعارة بالكناية ، حيث إنها عند المصنّف عبارة عن التّشبيه المضمر في النّفس ، قد أشير إليه بذكر لازم المشبّه به ، وعند القدماء عبارة عن إرادة المشبّه من لفظ المشبّه به المرموز قد أشير إليه بما يلزمه ويخصّه.
الثّالث : ما ذهب إليه السّكّاكي ، وهو أنّ الاستعارة بالكناية عبارة عن أن يذكر لفظ المشبّه ويراد به المشبّه به الادّعائي ويجعل إثبات لازم من لوازم المشبّه به الحقيقيّ للمشبّه قرينة عليه ففي قول الشّاعر المتقدّم أريد بالمنيّة السّبع الّذي هو في الحقيقة ليس إلّا الموت لكن ادّعى مبالغة أنّه سبع وليس إلّا ، وجعل إثبات الأظفار للمنيّة قرينة على هذا المعنى ، وأريد بها الصّورة الوهميّة الّتي لا تحقّق لها في الخارج.
توضيح ذلك أنّ الشّاعر لمّا شبّه المنيّة بالسّبع في اغتيال النّفوس وادّعى أنّه سبع وليس إلّا ، أخذ الوهم في تصويرها بصورة السّبع واختراع لوازمه لها من الذّنب والشّعر والأظفار ، فبعد ذلك أطلق على السّبع الادّعائي اسم المنيّة وعلى الصّورة الوهميّة الّتي تصوّرها مثل صورة الأظفار لفظ الأظفار. فما ذهب إليه السّكّاكي مخالف لما ذهب إليه المصنّف والسّلف ، بالقياس إلى كلّ من الاستعارة بالكناية والاستعارة التّخييليّة وذلك لأنّ الاستعارة