وذكر الوجوه إيهام (١) أو تشبيه الإعجاز بالصّور الحسنة
______________________________________________________
بالكناية عند المصنّف عبارة عن التّشبيه المضمر في النّفس ، وعند السّكّاكي عبارة عن إطلاق لفظ المشبّه على المشبّه به الادّعائي ، فلفظ المنيّة في المثال مستعار والموت مستعار منه والسّبع الاختراعي مستعار له ، وعند السّلف عبارة عن إرادة المشبّه عن لفظ المشبّه به الّذي أشير إليه بذكر لازمه ، فهو كالنّقيض لما ذكره السّكّاكي ، فإنّ المستعار عندهم لفظ السّبع والمستعار منه الحيوان المفترس والمستعار له الموت الّذي ادّعي كونه سبعا.
ثمّ الاستعارة التّخييليّة عند المصنّف والقوم مجرّد إثبات لازم من لوازم المشبّه به للمشبّه على نحو المجاز في الإثبات مع كونه مستعملا في معناه الحقيقي. وأمّا عند السّكّاكي فلم يبق على معناه الحقيقي ، بل استعمل في الصّورة الوهميّة الّتي اخترعتها النّفس للموت.
هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل ، ذكرنا ما في (المفصّل في شرح المطوّل) مع طوله لأنّه لا يخلو عن فائدة.
وأمّا المراد بالإيهام ، فهو أن يذكر لفظ له معنيان أحدهما قريب والآخر بعيد ويراد به البعيد. وأما تطبيق الأمور المذكورة على ما نحن فيه ، فلأنّ المصنّف قد شبّه في نفسه وجوه الإعجاز ـ أي الخصوصيات والمزايا الّتي توجب ارتفاع شأن الكلام على حدّ الإعجاز ـ بالأشياء الخارجيّة المحتجبة تحت الأستار بجامع الخفاء ، وعدم الاطّلاع ، فسكت عن ذكر أركان التّشبيه سوى المشبّه ، وهو قوله : وجوه الإعجاز ، وأثبت له أمرا مختصّا بالمشبّه به ، وهو الأستار ، فإنّها من لوازم الأشياء ، المحتجبة تحتها ليكون هذا قرينة على التّشبيه المضمر في النّفس فنفس هذا التّشبيه استعارة بالكناية وإثبات الأستار للوجوه استعارة تخييليّة.
(١) أي التّعبير عن الخصوصيات الّتي توجب الإعجاز بالوجوه إيهام أي تورية ، وهو كما ذكرنا أن يطلق لفظ له معنيان قريب لكثرة استعماله فيه ، وبعيد لقلّة استعماله فيه ، ويراد به المعنى البعيد لقرينة خفيّة بحيث يذهب قبل التّأمل إلى إرادة المعنى القريب.
وتطبيق ذلك في المقام أنّ للوجه معنيين :
الأوّل : الجارحة المخصوصة الشّائع استعماله فيها.