مترتّبة المعاني (١) متناسقة الدّلالات على حسب ما يقتضيه العقل لا تواليها في النّطق وضمّ بعضها إلى بعض كيفما اتّفق (٢)
______________________________________________________
(١) حال من الكلمات ، فمعنى العبارة حينئذ أنّ نظم القرآن عبارة عن جمع كلماته حال كون تلك الكلمات مترتّبة المعاني على حسب ما يقتضيه العقل بأن يكون كلّ واحد من المعاني الّتي تدلّ تلك الألفاظ عليها واقعا في محلّ يليق به بحسب مقتضى العقل. كالتّأكيد والتّجريد والتّقديم والتّأخير والحذف والذّكر بحسب ما تقتضيه الأحوال ، وترتيبها عبارة عن وضع كلّ منها في محلّه المطلوب فيه.
والمراد من الدّلالات في قوله : «متناسقة الدّلالات» هي الدّلالات الاصطلاحيّة من المطابقيّة والتّضمّنيّة والالتزاميّة.
والمراد بتناسقها تناسبها وتماثلها لمقتضى الحال بمعنى أنّ الدّلالة المطابقيّة يؤتى بها فيما إذا كانت الحال تقتضيها ، وكذلك التّضمّنيّة والالتزاميّة فحينئذ قوله : «متناسقة الدّلالات» لا يكون تكرارا لقوله : «مترتّبة المعاني» لوضوح الفرق بينهما.
(٢) قوله : «وضمّ بعضها ...» عطف تفسيري لقوله : «لا تواليها» أي الكلمات في النّطق. ومعنى العبارة حينئذ أنّ نظم القرآن لا يطلق على جمع كلماته كيفما اتّفق أي كان بين معانيها ترتيب يقتضيه العقل أم لم يكن ، وكانت دلالتها مناسبة لمقتضى الحال على حسب ما يقتضيه العقل أم لم تكن.
ثمّ في التّعبير بالنّظم استعارة يحتمل أن تكون مكنيّة ، ويحتمل أن تكون مصرّحة.
تقريب الأوّل : بأن كان المصنّف قد شبّه القرآن في نفسه بمجموع من الدّرر المنظّمة في السّلك بجامع ميل النّفس وتشوّقها إليها وكونهما مترتّبي الأجزاء ترتيبا خاصّا. فسكت عن ذكر أركان التّشبيه إلا المشبّه وهو القرآن وأثبت له لازما من لوازم الدّرر وهو النّظم فهذا التّشبيه المضمر في النّفس استعارة بالكناية وذاك الإثبات استعارة تخييليّة.
وتقريب الثّاني : أي الاستعارة المصرّحة ، بأن كان المصنّف قد شبّه في نفسه ترتيب كلمات القرآن بترتيب الدّرر في السّلك فترك أركان التّشبيه بأجمعها سوى لفظ المشبّه به ، وهو النّظم وأراد منه المشبّه أعني ترتيب كلمات القرآن. والفرق بينهما بعد اشتراكهما في ابتناء كلّ منهما على التّشبيه المضمر في النّفس من وجوه :